وفي ذات السياق يقول الإمام الشوكاني عند تفسير قوله تعالى: ﴿فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ [هود: ١١٦]: ("من" في (ممن) بيانية، لأنه لم ينج إلا الناهون(١)؛ فالذين نجوا من تلك القرون هم الذين نهوا عن الفساد وسائرهم تاركون للنهي، فالنجاة كانت للناهين وحدهم بدليل قوله: ﴿أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾[الأعراف: ١٦٥])(٢).
وبما سبق يتحقق الفلاح للمسلم المستقيم على أمر الله القائم بما أوجب عليه؛ لاسيما هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير الذي جاء به الإسلام، فوز وفلاح في الدنيا، ومرتبة عالية، ومنزلة رفيعة، وسلامة وعافية، ونجاة من عذاب الله وسخطه الذي أعده للمتهاونين بشعائره، المعتدين على محارمه، وحامل القرآن الكريم من أولى الناس بهذا الفوز والفلاح؛ استقامةً على مضامين القرآن الكريم والتزامًا بها، وتعليمًا للناس، وقيامًا بواجبه المناط به في الدعوة إلى الخير والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي افترضه الله على عباده.
المبحث الثالث:
تطبيقات الواجب الدعوي على حملة القرآن في خدمة المجتمع
مقدمة:
لا شكّ أن لحملة كتاب الله الكريم مكانة عالية رفيعة في المجتمع الإسلامي الذي يعيشون فيه، فهم يحملون كلام الله في صدورهم، ولأجل ذلك فأفراد المجتمع يجلونهم ويحترمونهم، ومكانتهم في صدورهم عظيمة جليلة؛ وهذا الأمر ولا شك يُحملهم مسؤولية عظيمة من جانبين:
(٢) …مدارك التنزيل وحقائق التأويل، النسفي: (٢/٢٠٨) (ط د، ت د، دار الفكر).