الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) } [آل عمران: ٩٨-١٠٨].
أولاً: فقه الدعوة في الآيات السابقة :
أ ) التحذير من مشابهة أهل الكتاب ومتابعتهم:
المتأمل لهذه الآيات الكريمات يلاحظ أن الخطاب القرآني جاء موجهًا في البداية لأهل الكتاب في أمور متعددة؛ ففيه توبيخ من الله تبارك وتعالى لأهل الكتاب على كفرهم بآيات الله التي أنزلها على رسله(١)، وهو متضمن لبيان حقيقة موقفهم ومجابهة لهم به(٢)، وفيه التحذير من ذلك الموقف، فالخطاب على الرغم من أنه جاء رقيقاً متبعًا أسلوب الاستفهام؛ لكنه كان في غاية التكذيب والتعجيز لهم، فكأنه يقول: هاتوا عذركم إن أمكنكم(٣).
ثم ينتقل الخطاب القرآني إلى ما هو أشد وأنكى، وذلك بانتقاله من التقريع بسبب شرودهم عن الحق الذي يعلمونه ويدركون صدقه؛ إلى بيان جمعهم بين الضلال والإضلال وهو أمر في غاية القبح والسوء، والإجرام والإيغال في الشر، والاستخفاف برب العزة والجبروت، وتؤكد الآيات على أمر آخر في غاية الأهمية؛ وهو بيان سياسة الكفر التي لا تكتفي بالضلال بل تسعى معه إلى الإضلال المتعمد(٤)، وفيها تأكيد على أن سبيل الله هو الطريق المستقيم وهو الإسلام، وما عداه عوج غير مستقيم(٥).

(١) …تيسير الكريم المنان، ابن سعدي: ص(١٤١).
(٢) …في ظلال القرآن، سيد قطب: (١٠/٤٣٦).
(٣) …صفوة التفاسير، عبدالرحمن الدوسري: (٤/٢٣٤).
(٤) …نفسه: (٤/٢٣٥).
(٥) …في ظلال القرآن، سيد قطب: (١/٤٣٧).


الصفحة التالية
Icon