ومن خلال ما سبق نجد الآيات تضمنت التحذير من منهج أهل الكتاب؛ الذي هو في حقيقته كفر بما جاء عن الله من آيات عظيمات بينات، وهو كفرٌ متعمدٌ، حيث يعلمون الحق ويعرفونه؛ وهم "شهداء" عليه أنه الحق لكنهم يكفرون به، وليس الأمر متوقف على ذلك بل يتعداه إلى الصد عن الإيمان بما يعلمون أنه حق، والدعوة إلى الكفر به، والسعي في صرف الناس عنه، بما يلقونه من الأباطيل والشبه، أو باللجوء إلى التهديد والتعذيب والقتل، أو الترغيب والإغراء بالمال والجاه والشهوات.
وبعدما سبق يأتي التحذير الإلهي لهذه الأمة أن تصغي إلى أقوال غيرهم، لاسيما وأنها أمة لها خصائصها التي تميزها عن غيرها؛ من خلال القواعد التي بني عليها منهجها وتصوراتها لجميع قضايا الحياة، وأنها مستقلة، ولا يجوز أن تستقي من غيرها، وأن ذلك سيؤول بهم إلى سوء المصير(١)، ولعلّ بيان حال أهل الكتاب في الآيات السابقات فيه أعظم دعوة إلى الحذر من اتباع منهجهم، ذلك أن أمة كفرت بالله تعالى، ولم تقبل الحق الذي تعرف يقينًا أنه الحق؛ أمة لا تستحق أن تكون قدوة، ولا يتبعها من لديه أدنى ذرة عقل، فمن لم ينفع نفسه ويقبل هدى الله الذي أنزله على عباده، بل تجاوز ذلك الانحراف والكفر إلى السعي لصرف الناس عن الحق، وصدّهم عنه؛ غير جدير بالاتباع ولا بالتصديق في ما يدعو إليه.
والمناسبة ظاهرة في أمر الله تعالى عبادة المؤمنين بالدعوة إلى الخير الذي هو الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو نقيض ما كان يفعله المنحرفون من أهل الكتاب، فالتحذير من حال أهل الشر دعوة واضحة للبعد عن منهجهم، والحذر من سلوك دربهم.
ب) بيان أسباب انحراف أهل الكتاب، وسبيل السلامة منها: