بعد ما سبق ينتقل الخطاب القرآني إلى المؤمنين مبينًا لهم أساس البلاء وأصله وهو: فقدان التقوى، فلما فقد أهل الكتاب تقوى الله، وتضعضع إيمانهم به، واستهانوا بقدره جل وعلا، كفروا به وصدوا الناس عن سبيله، فالدواء لهذا الداء، والعلاج لهذا البلاء هو تقوى الله جل وعلا والاعتصام به، فلا سبيل إلى الهداية والصلاح والبعد عن الانحراف والخذلان إلا بالاعتصام بالله جل وعلا وتقواه، ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، والنداء هنا لأهل الإيمان بوصف الإيمان، وأمرهم بتقوى الله حق التقوى والاعتصام بهداه يجيء في مقابل بيان الله جل وعلا لكفر أهل الكتاب، وهذا فيه من حسن المقابلة في التقسيم ما فيه(١).
ولا شك أن الدعوة إلى إرشاد الناس ودعوتهم إلى الحق والهدى والخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر هو سعي إلى تكميل الآخرين، والحق الذي لا مرية فيه أن يسعى المرء في تكميل نفسه مقدم على سعيه في تكميل غيره، كما أن دعوة الآخرين إلى الخير فيها دعوة مبطنة من المرء لنفسه بلزوم سبيل الخير والحق والبعد عما سواه.
ج) بيان قواعد مهمة لاستقامة بناء الأمة لاسيما فيما يأتي من أمر الدعوة:

(١) …تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور: (٣/٣٧) (ط د، ١٩٨٤م، الدار التونسية للنشر، تونس).


الصفحة التالية
Icon