قال الصفدي : ولم أر في أشياخي أكثر اشتغالاً منه، لأني لم أره قط إلا يُسمع أو يشتغل أو يكتب، ولم أره على غير ذلك. وله إقبال على الطلبة الأذكياء، وعنده تعظيم لهم، ونظم ونثر، وله الموشحات البديعة. وهو ثبت فيما ينقله، محرر لما يقوله، عارف باللغة، ضابط لألفاظها. وأما النحو والتصريف، فهو إمام الناس كلهم فيهما، لم يذكر معه في أقطار الأرض غيره في حياته.
وقال ابن الخطيب : كان سبب رحلته عن غرناطة أنه حملته حدة شبيبته على التعرض للأستاذ أبي جعفر ابن الطباع، وقد وقعت بينه وبين أستاذه أبي جعفر ابن الزبير وحشة، فنال منه وتصدى للتأليف في الرد عليه وتكذيب روايته، فرفع أمره للسلطان بغرناطة فانتصر له وأمر بإحضاره وتنكيله ؛ فاختفى، ثم أجاز البحر مختفياً، ولحق بالمشرق، وتكررت رحلته إلى أن حل بالديار المصرية.
وقال أيضا : وشعره كثير بحيث يوصف بالإجادة وضدها وقدم أبو حيان سنة ٦٧٩ فأدرك أبا طاهر المليجي، وكان آخر من قرأ على أبي الجود ؛ فقرأ عليه وحضر مجلس الشيخ شمس الدين الأصبهاني، وكان ظاهرياً وانتمى إلى الشافعية، وكان يقول محال أن يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهنه.
وله اليد الطولى في التفسير، والحديث، والشروح، والفروع، وتراجم الناس وطبقاتهم، وحوادثهم، خصوصاً المغاربة، وتقييد أسمائهم على ما يتلفظون به من إمالة وترقيق وتفخيم، لأنهم يجاورون بلاد الإفرنج، وأسماؤهم قريبة من لغاتهم، وألقابهم كذلك، وسأله الذهبي أسئلة فيما يتعلق بذلك، وأجابه عنها.
وله التصانيف التي سارت وطارت وانتشرت فأخملت كتب الأقدمين، وألهمت المقيمين بمصر والقادمين، وقرأ الناس عليه، وصاروا أئمة وأشياخاً في حياته، وهو الذي جسّر الناس على مصنّفات ابن مالك، ورغّبهم في قراءتها، وشرح لهم غامضها، وخاض بهم لججها، وفتح لهم مُقفَلها. وكان يقول عن مقدمة ابن الجاجب : هذه نحو الفقهاء.