والدليل على أن أبا الأسود الدؤلي - رضي الله عنه - هو الذي ابتدأ بالنقط(١): أن زياد بن أبي سفيان(٢)والي البصرة، بعث إلى أبي الأسود الدؤلي، فقال له : يا أبا الأسود إن هذه الحمراء قد كثرت وأفسدت من ألسن العرب، فهلاّ وضعت شيئا يصلح به
الناسُ كلامهم، ويعرفون به كتاب الله - عز وجل -، فامتنع أبو الأسود من ذلك ؛ إذ هو بدعة ثم وجّه زياد رجلا، فقال له : أقعد في طريق أبي الأسود، فإذا مرّ بك، فاقرأ شيئا من القرآن، وتعمّد فيه اللحن(٣)، ففعل الرجل ذلك، فلما مرّ به أبو الأسود فرفع الرجل صوته، فقال :﴿..... أَنَّ اللَّهَ بَرِي؟ءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ؟ ﴾(٤)، فخفض اللام من قوله :﴿ وَرَسُولُهُ؟ ﴾ فاستعظم ذلك أبو الأسود، فقال : عز وجل الله أن يتبّرأ من رسوله، فرجع من فوره إلى زياد، فقال له : يا هذا قد أجبتك إلى ما سألت، فابعث إلىّ ثلاثين رجلا من النبلاء العقلاء، فبعثهم زياد إليه، فاختار منهم أبو الأسود عشرة، ثم لم يزل يختار، حتى اختار منهم رجلا هو أعقلهم وأنبلهم، فقال له أبو الأسود : خذ المصحف، وصبغا يخالف لون المداد، فإذا فتحت شفتي، فانقط نقطة واحدة فوق الحرف، وإذا ضممتهما فانقط النقطة أمام الحرف، وإذا كسرتهما فانقط [النقطة](٥)أسفل الحرف، فإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غنة، فانقط نقطتين، فابتدأ بالمصحف من أوله حتى أتى على آخره.
(٢) ١٠) هو زياد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، ويسمى زياد بن أبيه، لم يكن من القراء ولا من الفقهاء، ولكنه
كان معروفا، وكان كاتبا لأبي موسى الأشعري، وقد روى عن عمر، ورُويتْ عنه أحاديث. توفي
بالكوفة سنة ٥٣ هـ.
انظر الطبقات الكبرى، ٧ : ٩٩.
(٣) في جـ :" وتعمد به اللحن ".
(٤) سورة التوبة، من الآية ٣.
(٥) ساقطة من :" جـ ".