وأما لأيّ شيء عبّر بالماضي في موضع المستقبل، فقال : قال، فقيل : قال هذا بعد فراغه من التأليف، فالمَقول على هذا حقيقة لأنه ماض لفظا، وقيل إنما قال : قال بلفظ الماضي، لأنه قال في نفسه، فالمقول على هذا – أيضا – حقيقة لأنه ماض لفظا ومعنى، لكن القول في الأول لفظي، والقول هاهنا نفسي لا لفظي، لأن القول يطلق على النفسي كما يطلق على اللفظي، ومنه قوله تعالى :﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ﴾(١). واختُلف في إطلاق القول على النفساني، فقيل : حقيقة، وقيل : مجاز. وقيل : إنما عبّر بالماضي عن المستقبل، لقرب الوقوع لصحة عزمه عليه، لأن قريب الوقوع كالواقع ومنه قوله تعالى :﴿ أَتََى أَمْرُ اللّهِ ﴾(٢)وهو يوم القيامة، لأنه قريب الوقوع في المعنى، إلا أن هذا محقق الوقوع، والأول مظنون الوقوع. وقيل : إنما عبّر بالماضي عن المستقبل تنبيها على قوّة رجائه، كما تقول : إذا تقوّى رجاؤك بحصول شيء قد حصل ذلك إن شاء الله.
وقيل : إنما عبّر بالماضي عن المستقبل، لأجل التفاؤل بحصول مقصوده.
وقيل : عبّر بالماضي عن المستقبل، لجواز ذلك في اللغة لا لقصد معنى من المعاني، لأن التعبير بالماضي عن المستقبل، والتعبير بالمستقبل عن الماضي جائزان. مثال التعبير بالماضي عن المستقبل، [ قوله تعالى :﴿ أَتََى أَمْرُ اللّهِ ﴾، ومثال التعبير بالمستقبل عن الماضي ](٣)، قوله تعالى :﴿ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِئَآءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾(٤)، أي فلم قتلتموهم ؟
وأما مولده ووفاته، فلم أقف على تحقيق ذلك ولا رأيته عند من يوثق به(٥).

(١) سورة المجادلة، من الآية ٨.
(٢) سورة النحل، من الآية ١.
(٣) ما بين المعقوفين سقط من :" جـ ".
(٤) ١٠) سورة البقرة، من الآية ٩٠.
(٥) سبقت الإشارة إلى تاريخ وفاته في القسم الدراسي.


الصفحة التالية
Icon