وأما أحسن الكتب المصنفة في علم الرسم : فهو هذا الكتاب المسمى بـ"مورد الظمآن"، لأن ناظمه أتقنه غاية الإتقان، واختصره من كتب الأئمة المُقتدى بهم في هذا الشأن ؛ لأنه جمع فيه أربعة كتب : اثنين منظومين واثنين منثورين(١). جعله الله له دخرا، وأثابه بالجنة أجرا بمنّّه. ثم قال :
[١] الحَمْدُ للهِ العَظيمِ المِنَنِ **** ومُرسِلِ الرُّسْلِ بِأهْدَى سَنَنِ
وفي هذا الصدر عشرون تنبيها :
لم خطب ؟، وهل لا يشرع في مقصوده من غير خطبة ؟، ولم خصّت الخطبة بالحمد دون غيره من الأذكار ؟، وما معنى الحمد ؟، وما الفرق بينه وبين الشكر ؟ وما الفرق بينه وبين المدح ؟، وما الفرق بينه وبين الثناء ؟، وما أقسامه ؟، وما فائدة التقسيم ؟، وأي المحامد أفضل ؟، وما حكمه ؟، وهل هو متلقّى من السمع أو من العقل ؟، وهل هو قديم أو حادث ؟، ولم عدل عن التعبير بالفعل إلى التعبير بالاسم ؟، ولم عدل عن التعبير بالتنكير إلى التعبير بالتعريف ؟ مع أن التنكير أصل والتعريف فرع، ولم عدل عن التعبير بالإضافة إلى التعبير بالألف واللام ؟، ولم أضاف الحمد إلى الله دون سائر أسمائه ؟ فقال :(( الحمد لله ))، ولم يقل : الحمد للرحمن، أو للرحيم، أو للسميع، أو للبصير، أو غير ذلك، وما معنى اللام في قوله :(( لله )) ؟، وما معنى الله ؟، وهل هو جامد أو مشتق ؟، وهل هو منقول أو مرتجل ؟
أما افتتاح كتابه بالخطبة : فللاقتداء بالمصنّفين قبله، لأنهم يبتدئون كتبهم بالخطبة فخَطَب الناظم كما خطبوا، لجريان العادة به أول كل مُهمّ، مما للناس فيه خوض وعليه منهم إقبال.
وأما افتتاح خطبته بالحمد دون غيره من سائر الأذكار، فقال :(( الحمد لله ))، ولم يقل الشكر لله، أو المدح لله، أو الرضى لله، أو غير ذلك، ففي ذلك عشرة أقوال :

(١) المنظومان : العقيلة للشاطبي، والمنصف للبلنسي، والمنثوران : المقنع للداني، والتنزيل لأبي داود.


الصفحة التالية
Icon