قيل : إنما بدأ كتابه بالحمد دون غيره تأدّبا بآداب الشريعة ؛ لأن الله تعالى أدّب به نبيّه - عليه السلام -، فقال :﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَمٌ ﴾(١).
وقيل إنما فعل ذلك : تبرّكا وتيامُنا بالذكر الجميل، وهو :﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ ؛ لقوله - عليه السلام - :(( ما من أحد أحب من الله في المدحة ولذلك حمد نفسه ))(٢).
وقال – أيضا – :(( أولى الناس بالله وأولاهم بما عنده المكثر من حمده ))(٣). ويروى (( أولى الناس بالله وأولاهم بما عنده حامده على السرّاء والضرّاء )).
فإذا كان الحمد من الله بهذه المنزلة، فلم لا يجب الافتتاح به عند المهمّات وحلول الملمّات ؟
وقيل افتتح كتابه بالحمد : اقتداء بكتاب الله تعالى ؛ لأنه مفتتح بالحمد لله.
وقيل : اقتداء بسائر الكتب المنزلة، إذ ما من كتاب نزل إلا وفي أوله الحمد لله، قالوا : أول التوراة أول سورة الأنعام، وهو قوله تعالى :﴿ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ إلى قوله :﴿ تََمْتََرُونَ ﴾(٤)، وآخره خاتمة هود وهي قوله :﴿ وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾(٥)إلى آخرها، وقيل آخرها : خاتمة بني إسراءيل وهي قوله تعالى :﴿ قُلُ ا دْعُواْ اللَّهَ أَوُ ا دْعُواْ الرَّحْمَانَ ﴾(٦)إلى آخرها
(٢) أخرجه البخاري بلفظ :" عن عبد الله - رضي الله عنه - قال : لا أحد أغير من الله، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها
وما بطن، ولا شيء أحبّ إليه المدحُ من الله، ولذلك مدح نفسه ".
صحيح البخاري، تخريج وضبط وتنسيق الحواشي : صدقي العطار، كتاب التفسير، باب ولا تقربوا
الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ٣ : ١٧٨، حديث ٤٦٣٤.
(٣) لم أعثر على هذا الحديث.
(٤) سورة الأنعام، الآية ١.
(٥) سورة هود، من الآية ١٢٢. وفي ز :" وآخر التوراة خاتمة هود.
(٦) سورة الإسراء، من الآية ١٠٩.