ونسب السمين(١) إلى مكي أنه قدَّرها واو الاستئناف. قال: «وهي التي عبَّر عنها مكي(٢) بواو الابتداء»، كما نقل أبو البقاء(٣) معنى ثالثاً غيرَ واوِ الحال وواو الاستئناف، وهو معنى «إذ»، فصارت معانيها في الآية ثلاثة.
والحقُّ أن مصطلحَي واو الحال وواو الابتداء وكذلك معنى «إذ» ينطبق على شيء واحد(٤)، وليست معاني مختلفة، بدليل قول سيبويه نفسه(٥): «كأنه قال: إذ طائفة في هذه الحال.... وإنما هي واو الابتداء»، فما ذهب إليه مكي وأبو البقاء لا يَخْرج عن تقدير سيبويه.
وتحدَّث سيبويه(٦) عن معنى الواو في قوله تعالى: ؟ ؟ ؟؟ من قوله: ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ (لقمان: ٢٧) فذهب إلى أنها واو الحال، ونظَّر الآيةَ بمثال صناعي لإجلاء المعنى، وهو قوله: «لو ضرَبْتَ عبد الله وزيدٌ قائمٌ ما ضَرَّكَ» أي: لو ضرَبْتَ عبد الله وزيدٌ في هذه الحال، كأنه قال: «ولو أنَّ ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر هذا أمرُه، ما نَفِدَتْ كلمات الله». فالواو في هذا التقدير حاليةٌ، والجملة حالية. ونظَّر الزمخشري(٧) وقوع الجملة حاليةً في الآية بقول الشاعر(٨):
وقد أَغْتدي والطيرُ في وُكُناتها بمنجَرِدٍ قَيْدِ الأوابد هَيْكلِ
ونقل صاحب «البحر»(٩) أنَّ بعضَهم ذهب إلى أن الواو في قوله

(١) الدر المصون ٣/٤٤٦.
(٢) مشكل إعراب القرآن ١/١٦٤.
(٣) التبيان ١/٣٠٣.
(٤) انظر: المغني ٤٧١.
(٥) الكتاب ١/٩٠.
(٦) الكتاب ٢/١٤٤.
(٧) الكشاف ٣/٥٠١.
(٨) البيت لامرئ القيس من معلقته وهو في ديوانه ١٩، وشرح القصائد للأنباري ٨٢. الوكنات: مواضع الطيور. والمنجرد: الفرس القصير الشعر. والأوابد: الوحش وهو قيد لها لأنه يسبقها. والهيكل: الضخم.
(٩) البحر ٧/١٩١.


الصفحة التالية
Icon