لقد فتح سيبويه الباب أمام المفسرين لبيان معنى الأدوات الواردة في كثير من الآيات الكريمة، كما فتح الباب أمام اللغويين في تأثيل معاني كل أداة، واستحضار شواهدها من القرآن الكريم، والسماع العربي الفصيح.
المبحث الثاني: بواكير التفسير التحليلي عند سيبويه
سوف نتلمَّس في هذا المبحث نماذج من التفسير التحليلي لدى سيبويه. ونعني بهذا الضرب من التفسير وقوف سيبويه عند بعض الآيات المختارة، وتقليب وَجْههِ في معانيها، وتعليله لما يختاره منها. وقد تميَّز هذا المبحث عن المباحث الأخرى بتأنِّي الوقوف والتأمُّل. والحق أننا لسنا نطالبه بأكثر من هذا؛ لأنه صاحبُ تصنيف في النحو والصرف، ولم يتصدَّ للتفسير على نحوٍ قاصد له.
اختلف المفسرون في معنى التشبيه في قوله تعالى: ؟ٹ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟؟ ؟ (البقرة: ١٧١)، كما اختلفوا في تقدير المشبه والمشبه به، ووجه الشبه، اختلافاً كثيراً(١).
١- ذهب فريق إلى أن المثل مضروب بتشبيه الكافر بالناعق، والتقدير: ومَثَلُ الذين كفروا في قلَّة فَهْمهم كمثل الرعاة يُكَلِّمون البُهْم، والبُهم لا تعقل شيئاً، فالناعق بغنمه في عَناء، والكافرُ ليس له من دعائه الآلهةَ إلا
العَناءُ.
وقد نَقَل الطبريُّ(٢) هذا القول، كما نقله الزمخشري(٣)، وانتقده بأنَّ قولَه ؟ ؟ ؟ ؟؟ ؟ لا يُساعد عليه؛ لأن الأصنام لا تسمع شيئاً.
قال أبو حيان(٤): «ولحظ الزمخشري في هذا القولِ تمامَ التشبيه من كل جهة، فكما أنَّ المنعوقَ به لا يسمع إلا دعاء ونداء، فكذلك مَدْعُوُّ الكافر من الصنم، والصنم لا يسمع، فضَعُفَ عنده هذا القولُ، ونحن نقول: التشبيه وقع في مطلق الدعاء لا في خصوصيات المدعُوِّ».
(٢) جامع البيان ٣/٤٨.
(٣) الكشاف ١/٢١٤.
(٤) البحر ١/٤٨١.