٢- وذهب فريق ثان إلى أن المثل مضروب بتشبيه الكافر بالمنعوق به، وهو مذهب الفراء(١) وأبي عبيدة(٢)، ونقله الطبري(٣)، وذكر روايات مأثورة تفيده، عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة. قال الفراء: «والمعنى: مثل الذين كفروا كمثل البهائم التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت... فأضيف التشبيه إلى الراعي والمعني في المَرْعِيّ». وهذا التقدير من القلب.
٣- وذهب آخرون إلى أن المثلَ مضروبٌ بتشبيه داعي الكافرين بالناعق بغنمه، في كون الكافر لا يفهم ممَّا يخاطِب به داعيه إلا دَوِيَّ الصوت دون إلقاءِ فِكْرٍ، كما أنَّ البهيمة كذلك. قال الزمخشري(٤): «ويجوز أن يُرادَ بـ ؟ ؟ ؟ ؟؟ الأصمُّ الأَصْلج الذي لا يَسْمع من كلام الرافع صوتَه بكلامه إلا النداءَ والتصويت لا غير، من غير فَهْمٍ للحروف».
٤- وذهب سيبويه(٥) إلى أنَّ التشبيه جاء على اتساع الكلام والاختصار قال: «فلم يُشَبَّهوا بما يَنْعِق، وإنما شُبِّهوا بالمنعوق به، وإنما المعنى: مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذي لا يسمع، ولكنه جاء على سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب المعنى».
وقد فهم المفسرون من اتساع الكلام الذي عناه سيبويه ما أشار إليه السمين(٦) في قوله: «فيكون في الكلام حذفان: حَذْف من الأول وهو حَذْف داعيهم، وقد أثبت نظيره في الثاني، وحذف من الثاني، وهو حَذْف المنعوق، وقد أثبت نظيره في الأول، فشبَّه داعي الكفار براعي الغنم في مخاطبة مَنْ لا يفهم عنه، وشبَّه الكفارَ بالغنم في كونهم لا يسمعون مِمَّا دُعُوا إليه إلا أصواتاً لا يعرفون ما وراءها».
(٢) مجاز القرآن ١/٦٣.
(٣) جامع البيان ٣/٤٤.
(٤) الكشاف ١/٢١٤.
(٥) الكتاب ١/٢١٢.
(٦) الدر المصون ٢/٢٣١.