وقال: «فإن قال إنسان: كيف جاز أن تقول: أن تضل، ولم يُعَدَّ هذا للضلال وللالتباس، فإنما ذكر (أن تضل) لأنه سبب الإذكار، كما يقول الرجل: أعددتُه أن يميل الحائط فأدعمَه، وهو لا يَطْلُب بإعدادِ ذلك ميلان الحائط، ولكنه أخبر بعلة الدعم وبسببه». فهو بهذا الأسلوب الحواري يقرر معنى الآية، ثم يصوغ سؤالاً على سبيل الاعتراض، ويجيب عنه.
أما الطبري(١) فقد اعتمد مذهب الفراء(٢) في معنى الآية، فقال: «إن الأصل: كي تذكِّر إحداهما الأخرى إنْ ضَلَّت، وهو عندهم من المقدَّم الذي معناه التأخير؛ لأنَّ التذكير عندهم هو الذي يجب أن يكون مكان (تضلَّ) كما تقول في الكلام: إنه ليعجبني أن يسأل السائل فيُعطى، بمعنى: إنه ليعجبني أن يعطى السائلُ إن سأَلَ، ولكنَّ قوله «إن سأل» لمَّا تقدَّم اتصل بما قبله ففتح (أن) ونصب بها».
ورد الزجَّاج(٣) والفارسيُّ(٤) هذا التقدير بردودٍ مطولة؛ لأن الحرف العامل لا يتغيَّر عملُه بالتقديم والتأخير.
وفسَّر سيبويه بعض الآيات تفسيراً إجمالياً، ومن ذلك قوله(٥) في تفسير قوله تعالى: ؟؟ ؟ ؟ ؟ چ چ چ چ ؟ ؟ ؟ ؟ (؟: ٣١) قال: «فالمعنى - والله أعلم - ألم يروا أنَّ القرون الذين أهلكناهم إليهم لا يرجعون».
وقال(٦) في قوله تعالى: ؟ھ ھ ھ ے ے ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ (المؤمنون: ٣٥) «جاء مبدلاً، فكأنه على أيعدكم أنكم مخرجون إذا متُّم، وذلك أريد بها، ولكنه إنما قُدِّمت (أنَّ) الأولى ليُعْلَم بعد أيِّ شيءٍ الإخراجُ»(٧).
وينجم عن تقدير البدلية عند سيبويه أن خبر (أنَّ) الأولى محذوف لدلالة خبر الثانية عليه، تقديره: أنكم تبعثون، والثانية وما في حيزها بدل من الأولى(٨).

(١) جامع البيان ٥/٨٨.
(٢) معاني القرآن ١/١٨٤.
(٣) معاني القرآن ١/٣٦٤.
(٤) الحجة ٢/٤٣٣.
(٥) الكتاب ٣/١٣٢.
(٦) الكتاب ٣/١٣٢.
(٧) انظر: معاني القرآن للنحاس ٤/٤٥٥.
(٨) انظر: الدر المصون ٨/٣٣٤.


الصفحة التالية
Icon