لقد أفاد المفسرون من تقدير سيبويه لهذه الآيات، وما هذا التقدير إلا وسيلة لإصابة المعنى المنشود.
المبحث الرابع: تفسير سيبويه الآيات المشكلة
لا يخفى على أحد أن لغة القرآن تمثل اللغة الفصيحة العالية، بيد أن ثمة مواضع منها جاء ظاهرها مشكلاً على قواعد العربية، وضوابطها التي استقاها أهل الفن من أنواع السماع العربي الفصيح، ومن هنا حرص المفسرون وأهل اللغة على إجلاء ما يلتبس من الآيات، وبيان وجهته ونسبته إلى الصحة. ولعل سيبويه من أوائل مَنْ أرسَوْا قواعد حلِّ مُشكل القرآن، وقدَّم في كتابه نماذج متعددة أفاد منها العلماء في تحرير مصنفاتهم التي توالَتْ من بعده، وقاسوا النظير على النظير.
ومن ذلك عَودُ الضمير في ؟ ؟؟ من قوله تعالى: ؟؟ ؟ ؟ ٹ ٹٹ ٹ ؟ ؟ ؟؟ (النحل: ٦٦)، فقال(١): «وأما «أفعال» فقد يقع للواحد، من العرب من يقول: «هو الأنعام»، وقال أبو الخطاب(٢): «سمعت العرب يقولون: هذا ثوب أكياش»(٣). وقد أخذ بهذا التوجيه الفراء(٤)، وصَحَّحَه الطبري(٥).
ومن ذلك نَصْب ؟ ؟ ؟؟؟، ورفع ؟؟ ؟؟ من قوله تعالى: ؟؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟؟ ؟ ؟؟ ؟ ؟ ؟ (النساء: ١٦٢)، فقدَّر(٦) نصب
؟ ؟؟ على التعظيم والمدح، وقدَّر رفع ؟ ؟؟ على الابتداء.

(١) الكتاب ٣/٢٣٠.
(٢) أبو الخطاب هو الأخفش الأكبر عبد الحميد بن عبد المجيد، كان إماماً في العربية، أخذ عنه سيبويه والكسائي، وتوفي سنة ١٧٧. انظر: طبقات النحويين ٤٠، إنباه الرواة ٢/١٥٧، البغية ٢/٧٤.
(٣) الأكياش: ضرب من برود اليمن.
(٤) معاني القرآن ١/١٢٩، ٢/١٠٨.
(٥) جامع البيان ١٤/٢٧٤.
(٦) الكتاب ٢/٦٣. وانظر في الموضع نفسه تقديره للآية ١٧٧ من البقرة.


الصفحة التالية
Icon