وليس بمستغرَبٍ أن تنهض الدراسات اللغوية لخدمة تفسير القرآن وتأثيلِ مفرداته، وبيانِ أساليبه، وتوجيه قراءاته(١). وتخصَّصَتْ فئة من السلف بهذا الجانب ومن هؤلاء: أبو عمرو بن العلاء (١٥٤)، والخليل (١٧٥)، والكسائي (١٨٩)، ومؤرِّج (١٩٤)، إذ مضى هؤلاء وغيرهم يؤلِّفون رسائل وكتباً تُعَدُّ من بواكير التأليف اللغوي، المَعْنِيّ بلغة القرآن وتفسير مفرداتها، والاستدلال على معانيها بشواهد من لغة العرب ولهجاتها.
كما شارك اللغويون مشاركة مباشرة في تفسير القرآن وبيان معانيه(٢)، وذلك عن طريق كتب معاني القرآن ولغاته وغريبه.
وقد بدأت هذه الكتب تتوالى مع مطلع القرن الثالث(٣)، فأَلَّف فيها الفراء (٢٠٧) والأخفش (٢١٥) والمازني (٢٣٦) والسجستاني (٢٥٥) والرياشي (٢٥٧) وغيرهم.
واكتسب كتابُ سيبويهِ أهميةً بالغة من بين مصنفات علوم العربية، وقد حاول فيه تأثيلَ قواعد اللغة وبيان لهجاتها، حتى إن عنايته باللهجات لا تَقِلُّ عن اهتمامه بالفصحى، فكان نُطْقُ القبائل العربية على اتساع بيئاتها وتبايُن منازلها، ظاهرةً مشتركة تُدْرَسُ جميعُها لاستنباط القواعد منها(٤).
وقد استشهد سيبويه بشواهد غزيرة من آيات القرآن الكريم، وسعى في بناء ضوابط اللغة مستنداً إليها، وعَلَّل أساليبها في الحركات الإعرابية والتقديم والتأخير، والحذف والزيادة. وقد استقى سيبويه كثيراً من أصوله في علوم العربية من القراءات المتعددة للقرآن الكريم.

(١) انظر: الأدوات النحوية في كتب التفسير ٢٣.
(٢) انظر: تطور تفسير القرآن ٤٩.
(٣) انظر: التفسير اللغوي ١٢٠.
(٤) انظر: اللهجات في كتاب سيبويه ٧.


الصفحة التالية
Icon