وعلى الرغم من أن لسيبويه جهوداً واضحة في تفسير القرآن الكريم، أفاد منها المفسِّرون من بعده، وأخذوا من تحليلاته وأقواله القَدْر الكثير، فإننا لا نستطيع أن نضعَ كتابه ضمن مصنفات التفسير اللغوي المباشر؛ وذلك لأنه لم يُؤَلِّفْه لهذا القصد، وإنما ألَّفه لبناء قواعد اللغة، وكانت مسائل التفسير تَرِدُ في ثنايا مباحثه النحوية والصرفية، ومن هنا فإنَّ ما وَرَدَ فيه من تفسير تحليلي، وتفصيلٍ في مفردات القرآن الكريم من أسماء وأفعال وأدوات، وتقديرٍ للمحذوف من آيات التنزيل، وحلٍّ لمُشْكل إعرابها، وتوجيهٍ لقراءاتها، لا يَجْعلنا نَسْلُكه ضمن كتب التفسير اللغوي.
وتبدو أهمية كتاب سيبويه(١) من منظور علم التفسير في أنه يُمَثِّل مرحلة من بواكير الجهود المبذولة في هذا العلم من طريقٍ غير مباشر، كما أنه يَحْرِص على تسجيل ما كان يدور في حلقات الدروس العلمية في عصره، تلك التي تدور حول معاني القرآن وتوجيه قراءاته.
وقد ذكر سيبويه مصطلح «المفسرين» ذِكْراً صريحاً في أربعة مواضعَ من كتابه، ممَّا يوحي بقُرْبه منهم، وحوارِه معهم في مسائل التفسير، وهذه المواضع هي:
١- ذكر سيبويه مذهب الخليل في قوله تعالى: ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ (القصص: ٨٢) إذ يرى أن ؟ وَيْ ؟ مفصولةٌ عن ؟ كأنَّ ؟ والمعنى: «على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قَدْر علمهم»، ثم قال(٢): «وأمَّا المفسِّرون فقالوا: ألم تَرَ أن الله».
٢- بَيَّن سيبويه معنى قوله تعالى: ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ (النحل: ٦٢) فقال(٣): «لقد حَقَّ أن لهم النار... وقولُ المفسرين معناها: حقاً أنَّ لهم النار، يَدُلُّك على أنها بمنزلة هذا الفعل إذا مُثِّلَتْ».
٣- ذكر أنَّ قوله تعالى: ؟؟ ؟ ؟ چ چ چ چ ؟ ؟ (الجن: ١٨)، معناه(٤): ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً. وأمَّا المفسِّرون فقالوا: على «أُوحي».

(١) النحو وكتب التفسير ١/١٠١.
(٢) الكتاب ٢/١٥٤.
(٣) الكتاب ٣/١٣٨.
(٤) الكتاب ٣/١٢٧.


الصفحة التالية
Icon