حظي سيبويه بطائفة من أئمة العلم في عصره، من أمثال الخليل ويونس وأبي عمرو بن العلاء وأبي الخطَّاب، فحاورهم في مسائل من التفسير، ونقل عنهم آراءهم في كتابه، بل إنه على ما يبدو كان مطَّلعاً على ما يدور في حلقات التفسير في عصره، وتبين لنا من قبل أنه كان ينقل عنهم بلفظ «المفسرين»، مما يعني أنه كان متابعاً للحركة العلمية المصاحبة لتفسير القرآن الكريم.
وتبدو أهمية هذا الحوار في تسجيل هذه الأقوال منسوبة إلى أصحابها، وبذلك يُعَدُّ كتاب سيبويه مصدراً غنياً، حَفِظ ما تردَّد في بعض مجالس هؤلاء العلماء في هذه الفترة المبكرة من عصور التدوين والتصنيف، بل إن كتابه مصدر لها أصيل.
ومن أمثلة التفسير المُصاحَب باستدلال يتصل بعِلْم من علوم القرآن يُسَمَّى المكِّي والمدني، ما نقله عن أبي الخطاب(١): أن قولك للرجل «سلاماً» تريد تَسَلُّماً منك كما قلت: براءةً منك تريد لا ألتبس بشيء من أمرك، وأن أبا ربيعة كان يقول: «إذا لقيت فلاناً فقل له سلاماً، فسأله، ففسَّره له بمعنى: براءةً منك، وأن هذه الآية ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ (الفرقان: ٦٣) بمنزلة ذلك؛ لأن الآية فيما زعم مكية، ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يُسَلِّموا على المشركين، ولكنه على قولك براءةً منكم وتَسَلُّماً، لا خير بيننا وبينكم ولا شر».
وواضح من مقدمة سيبويه التي قدَّم بها لنقله عن أبي الخطاب أنه كان يعتمد هذا التفسير، فالسلام في الآية بمعنى البراءة والتَّسَلُّمِ وعدم الالتباس بشيء من الأمر. واستدل على ذلك بكون الآية مكية، ولم يُؤْمَرْ المسلمون بالتسليم على المشركين وقتئذ.