وتحدَّث سيبويه عن معنى «جَرَم» في قوله تعالى: ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ (النحل: ٦٢)، ثم وازَنَ بين ما ذهب إليه في معناها وقول المفسرين، وقال(١): «فأنَّ، جَرَم عَمِلَتْ فيها؛ لأنها فعلٌ ومعناها: لقد حقَّ أنَّ لهم النارَ، ولقد استحق أنَّ لهم النارَ، وقول المفسرين: معناها حقاً أن لهم النار يَدُلُّك أنها بمنزلة هذا الفعل إذا مُثِّلَتْ، فـ «جَرَم» بعدُ عَمِلت في «أنَّ» عملَها في قول الفَزاريِّ(٢):
ولقد طَعَنْتُ أبا عُيَيْنةَ طَعْنَةً...... جَرَمَتْ فَزارةَ بعدها أن يَغْضَبوا
أي: أحَقَّتْ فزارةَ. وقد فسَّر الطبري(٣) «لا جَرَمَ» في موضع هود بـ حقاً، وأشار في موضع النحل(٤) إلى مَنْ سَمَّاهم «بعض أهل العربية» الذين يقولون: إنها فعل ماض، و «لا» قبلها ردٌّ لكلامهم أي: ليس الأمرُ هكذا. وقد سار على تفسير سيبويه طائفة من المفسِّرين(٥).
وأمَّا الراغب في المفردات(٦) فقد فسَّر «لا جرم» بقوله: «ليس بجُرْمٍ أنَّ لهم النار، تنبيهاً أنهم اكتسبوها بما ارتكبوه».
ويتكرَّر في القرآن الكريم أسلوبُ «أرأَيْتَكم»(٧) ونظائره، ويقف أمامه سيبويه مُفَسِّراً له بقوله(٨): «أَخْبِرْني»، ويرى أن الاستفهام غيرُ مُراد. وقد سار على هذا التفسير طائفة من المفسرين كالطبري(٩)، والراغب(١٠)، والقرطبي(١١)، والشوكاني(١٢).

(١) الكتاب ٣/١٣٨.
(٢) البيت لأبي أسماء بن الضريبة، وهو في المقتضب ٢/٣٥٢، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ٥٥٠.
(٣) جامع البيان ١٢/٣٧٣.
(٤) الآية ٦٢ من النحل.
(٥) انظر: تفسير القرطبي ٦/٣٧٣٧، والبحر ٥/٢١٢.
(٦) المفردات ١٩٣.
(٧) نحو الآية ٤٠ من الأنعام، والآية ٦٢ من الإسراء.
(٨) الكتاب ١/٢٣٩.
(٩) جامع البيان ٩/٢٤٠.
(١٠) المفردات ٣٧٤.
(١١) تفسير القرطبي ٦/٣٩٠٣.
(١٢) فتح القدير ٤/٣٥٥.


الصفحة التالية
Icon