وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان، ويمكنه من الارتقاء الروحي الدائم من خلال حياته الطبيعية المتعادلة، التي لا حرمان فيها، ولا إهدار لمقومات الحياة الفطرية البسيطة.
«وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ».. فهذا المال هبة من اللّه وإحسان. فليقابل بالإحسان فيه. إحسان التقبل وإحسان التصرف، والإحسان به إلى الخلق، وإحسان الشعور بالنعمة، وإحسان الشكران.
«وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ».. الفساد بالبغي والظلم. والفساد بالمتاع المطلق من مراقبة اللّه ومراعاة الآخرة.
والفساد بملء صدور الناس بالحرج والحسد والبغضاء. والفساد بإنفاق المال في غير وجهه أو إمساكه عن وجهه على كل حال.
«إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».. كما أنه لا يحب الفرحين.
كذلك قال له قومه : فكان رده جملة واحدة، تحمل شتى معاني الفساد والإفساد :«قالَ : إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي»! إنما أوتيت هذا المال استحقاقا على علمي الذي طوع لي جمعه وتحصيله. فما لكم تملون عليّ طريقة خاصة في التصرف فيه، وتتحكمون في ملكيتي الخاصة، وأنا إنما حصلت هذا المال بجهدي الخاص، واستحققته بعلمي الخاص؟
إنها قولة المغرور المطموس الذي ينسى مصدر النعمة وحكمتها، ويفتنه المال ويعميه الثراء.
وهو نموذج مكرر في البشرية. فكم من الناس يظن أن علمه وكده هما وحدهما سبب غناه. ومن ثم فهو غير مسؤول عما ينفق وما يمسك، غير محاسب على ما يفسد بالمال وما يصلح، غير حاسب للّه حسابا، ولا