ناظر إلى غضبه ورضاه! والإسلام يعترف بالملكية الفردية، ويقدر الجهد الفردي الذي بذل في تحصيلها من وجوه الحلال التي يشرعها ولا يهون من شأن الجهد الفردي أو يلغيه. ولكنه في الوقت ذاته يفرض منهجا معينا للتصرف في الملكية الفردية - كما يفرض منهجا لتحصيلها وتنميتها - وهو منهج متوازن متعادل، لا يحرم الفرد ثمرة جهده، ولا يطلق يده في الاستمتاع به حتى الترف ولا في إمساكه حتى التقتير ويفرض للجماعة حقوقها في هذا المال، ورقابتها على طرق تحصيله، وطرق تنميته. وطرق إنفاقه والاستمتاع به. وهو منهج خاص واضح الملامح متميز السمات.
ولكن قارون لم يستمع لنداء قومه، ولم يشعر بنعمة ربه، ولم يخضع لمنهجه القويم. وأعرض عن هذا كله في استكبار لئيم وفي بطر ذميم.
ومن ثم جاءه التهديد قبل تمام الآية، ردا على قولته الفاجرة المغرورة :«أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً؟ وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ». فإن كان ذا قوة وذا مال، فقد أهلك اللّه من قبله أجيالا كانت أشد منه قوة وأكثر مالا. وكان عليه أن يعلم هذا. فهذا هو العلم المنجي. فليعلم. وليعلم أنه هو وأمثاله من المجرمين أهون على اللّه حتى من أن يسألهم عن ذنوبهم. فليسوا هم الحكم ولا الأشهاد! «وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ»! ذلك كان المشهد الأول من مشاهد القصة، يتجلى فيه البغي والتطاول، والإعراض عن النصح، والتعالي على العظة، والإصرار على الفساد، والاغترار بالمال، والبطر الذي يقعد بالنفس عن الشكران.