وهوت معه الفتنة الطاغية التي جرفت بعض الناس وردتهم الضربة القاضية إلى اللّه وكشفت عن قلوبهم قناع الغفلة والضلال. وكان هذا المشهد الأخير :«وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ :! وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ. لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا.! وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ»..
وقفوا يحمدون اللّه أن لم يستجب لهم ما تمنوه بالأمس، ولم يؤتهم ما آتى قارون. وهم يرون المصير البائس الذي انتهى إليه بين يوم وليلة. وصحوا إلى أن الثراء ليس آية على رضى اللّه. فهو يوسع الرزق على من يشاء من عباده ويضيقه لأسباب أخرى غير الرضى والغضب. ولو كان دليل رضاه ما أخذ قارون هذا الأخذ الشديد العنيف. إنما هو الابتلاء الذي قد يعقبه البلاء. وعلموا أن الكافرين لا يفلحون. وقارون لم يجهر بكلمة الكفر ولكن اغتراره بالمال، ونسبته إلى ما عنده من العلم جعلهم يسلكونه في عداد الكافرين، ويرون في نوع هلاكه أنه هلاك للكافرين.
ويسدل الستار على هذا المشهد. وقد انتصرت القلوب المؤمنة بتدخل القدرة السافرة، وقد رجحت قيمة الإيمان في كفة الميزان.. ثم يأخذ في التعقيب في أنسب أوان :«تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً. وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ».. تلك الآخرة التي تحدث عنها الذين أوتوا العلم. العلم الحق الذي يقوم الأشياء قيمتها الحقيقية. تلك الدار الآخرة العالية الرتبة البعيدة الآفاق. تلك الدار الآخرة «نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً».. فلا يقوم في نفوسهم خاطر الاستعلاء بأنفسهم لأنفسهم ولا يهجس في قلوبهم الاعتزاز بذواتهم


الصفحة التالية
Icon