السلام ليخطب في الناس، ويُبيِّن لهم الأحكام فقال: مَنْ يسرق نقطع يده، ومَنْ يزني نجلده إن كان غير محصن، ونرجمه إنْ كان محصناً، فقام له قارون وقال: فإن كنتَ أنت يا موسى؟ فقال: وإنْ كنتُ أنا.
وهنا قامت المرأة البغيُّ وقالت: هو راودني عن نفسي، فقال لها: والذي فلق البحر لَتقُولِنّ الصدق فارتعدتْ المرأة، واعترفت بما دبَّره قارون، فانفضح أمره وبدأت العداوة بينه وبين موسى عليه السلام.
وبدأ قارون في البَغْي والطغيان حتى أخذه الله، وقال في حقه هذه الآيات: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَ ى فَبَغَ ى عَلَيْهِمْ... ﴾ [القصص: ٧٦].
والبغي: تجاوز الحدّ في الظلم، خاصة وقد كان عنده من المال ما يُعينه على الظلم، وما يُسخِّر به الناس لخدمة أهدافه، وكأنه يمثل مركز قوة بين قومه، والبغي إما بالاستيلاء على حقوق الغير، أو باحتقارهم وازدرائهم، وإما بالبطر.
ثم يذكر حيثية هذا البغي: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّةِ.. ﴾ [القصص: ٧٦].
كلمة (مفاتح) كما في قوله تعالى:﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ... ﴾[الأنعام: ٥٩].
ولو قلنا: مفاتح جمع، فما مفردها؟ لا تقُلْ مفتاح؛ لأن مفتاح جمعها مفاتيح، أما مفاتح، فمفردها (مَفْتح) وهي آلة الفتح كالمفتاح، وهي على وزن (مبرد) فالمعنى: أن مفاتيح خزائنه لو حملتْها عصبة تنوء بها، وهذه كناية عن كثرة أمواله، نقول: ناء به الحِمْل، أو ناء بالحمل، إذا ثقُل عليه،