وكذلك ما فيها من فائدة التاريخ من معرفة ترتيب المسببات على أسبابها في الخير والشرِّ والتعمير والتخريب لتقتديَ الأمة وتحذرَ قال تعالى :﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (٥٢) سورة النمل.
وما فيها من فائدة ظهور المثُلِ العُليا في الفضيلة وزكاء النفوس أو ضدِّ ذلك.
وما فيها من موعظة المشركين بما لحق الأمم التي عاندت رسلُها وعصت أوامرَ ربها حتى يرعووا عن غلوائهم ويتعظوا بمصارع نظرائهم وآبائهم، وكيف يورثُ اللهُ الأرضَ أولياءَه وعبادَه الصالحين، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (١٠٥) سورة الأنبياء، وهذا في القصص التي يذكر فيها ما لقيه المكذِّبون للرسل كقصص قوم نوح وعاد وثمود وأهل الرس وأصحاب الأيكة، وقارون.
وأنَّ في حكاية القَصص سلوكَ أسلوبِ التوصيفِ والمحاورةِ، وذلك أسلوبٌ لم يكنْ معهوداً للعربِ فكان مجيئُه في القرآن ابتكارَ أسلوبٍ جديدٍ في البلاغةِ العربيةِ شديدِ التأثيرِ في نفوس أهل اللسانِ، وهو من إعجاز القرآنِ ؛ إذ لا يُنكرون أنه أسلوبٌ بديعٌ، لا يستطيعونَ الإتيانَ بمثله، إذ لم يعتادوهُ... (١)
لقد سيقت القصص القرآنية للعبرة والعظة، حيث يقف المسلمون والمشركون على أحوال من تقدمهم من الأمم فيعتبر ذوو الألباب ويتعظون، وفيها التسليةُ الكاملةُ للنبي - ﷺ - وصحبه من حيث يقفون على أخبار الرسل وأممهم وكيف كانت العاقبة للمتقين، والدائرة على الكافرين المعاندين، وفي هذا تثبيت لهم وشحذٌ لعزائمهم، قال تعالى :{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ

(١) - انظر التحرير والتنوير - (١ / ٣٦)


الصفحة التالية
Icon