هذا، فيطلب به رضا اللّه، ويقدم منه ما ينفعه في الآخرة، ويأخذ منه ما يصلح به شئون دنياه، فيجمع بذلك خير الدنيا والآخرة جميعا.. وأن يحسن وينفق في وجوه الخير، مثل ما أحسن اللّه إليه، فيلقى إحسان اللّه بالإحسان إلى عباد للّه، فذلك هو زكاة هذه النعمة، وألا يتخذ من هذا المال أداة للفساد والإفساد في الأرض، والإضرار بالناس، وهضم مالهم من حقوق.. إن اللّه لا يحب المفسدين.."
وقد استقبل « قارون » هذه الدعوة الحكيمة الرشيدة بالاستخفاف والتحدي، شأنه في هذا شأن من غطى على بصره ما امتلأ به كيانه من أشر وبطر، فجعل كل نصح يلقى إليه، دبر أذنه، ومن وراء ظهره، فقال :« إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي ». أي قال قارون لقومه حين نصحوه وأرشدوه إلى الخير : أنا لا أحتاج لما تقولون، فإن اللّه تعالى إنما أعطاني هذا المال، لعلمه بأني أستحقه، ولمعرفتي وخبرتي بكيفية جمعه، فأنا له أهل، كما قال تعالى : فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا، ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا، قالَ : إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ [الزمر ٣٩/ ٤٩] أي على علم من اللّه بي، وقال سبحانه : وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ، لَيَقُولَنَّ : هذا لِي [فصلت ٤١/ ٥٠] أي هذا أستحقه.
" إنه ينكر أن يكون للّه شىء فيما بين يديه من هذا المال الغمر.. إنه قد توصل إليه بحسن تدبيره، وجمعه بجهده وكده..
والعلم الذي أوتيه « قارون » ليس العلم الذي تحصله العقول، أو تستشفه البصائر، وإنما هو علم تنضح به الطبائع الخبيثة، والنفوس المريضة، من نفاق، ومداهنة، وانّجار بالذمم والضمائر، مما يحسنه


الصفحة التالية
Icon