اليهود، ويأخذون به مكان الأستاذية للناس جميعا.. وقد كان « قارون » فى هذا العلم أستاذا لهؤلاء الأساتذة.. فجمع هذا المال الوفير الذي كان موضع حسد من كثير من قومه، كما كان آفة مهلكة له..
وليس يعترض على هذا بقوله تعالى :« وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ » إذ قد يفهم من هذا أن اللّه سبحانه وقد آتاه هذا المال، إنما آتاه إياه هبة، وابتدأه به إحسانا، فهو ـ والأمر كذلك ـ لم يحصّل هذا المال بشىء من تلك الوسائل الخسيسة الفاسدة، خاصة، وأن القرآن الكريم قد استعمل هذا الفعل مسندا إلى اللّه في مواضع كثيرة، وكلّها في مقام الفضل والإحسان، وأجلّها ما كان من إيتاء اللّه سبحانه وتعالى الكتاب والحكم والنبوة، للكثير ممن اصطفى من عباده..
وردّنا على هذا :
أولا : أن هذا لا يدفع أن يكون اللّه سبحانه وتعالى قد ابتدأ قارون بهذه النعمة، وأولاه هذا الإحسان.. ثم كان منه هذا الكفران باللّه، والجحود لفضله عليه، واللّه سبحانه وتعالى يقول :« وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ » (١٧٥ ـ ١٧٦ : الأعراف).
وثانيا : أن قول قارون :« إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي » ـ هو دعوى يدّعيها، ويبرر بها إضافة هذا المال إلى كسبه بوسائله، تلك الوسائل التي أشرنا إليها.. فهو ـ فى تقديره ـ كان يحسب أن هذه الوسائل هي التي جلبت له هذا الثراء العريض، وهذه الوسائل ـ فى تقديره ـ هى علم يحسنه وحده، ولا يحسنه غيره.. وهذا لا يمنع من أن تكون تلك الوسائل


الصفحة التالية
Icon