المنفق لا يبلغ فيها مبلغ المنفق لمحبّة لَذّاته، لأنّ داعي الحكمة قابل للتأمّل والتّحديد بخلاف داعي الشّهوة. (١)
وقوله تعالى :« وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ » هو دعوة إلى أن يأخذ الناس حظّهم من طيبات الحياة، وأن يذوقوا من نعم اللّه التي وضعها بين أيديهم، ولكن فى غير إسراف، بل فى قصد واعتدال، فإن الإسراف يفسد النعمة، ويفقدها طعمها الطيّب، حين يمتلىء الإنسان منها، ويلحّ على جسده بها.. إنها لا تلبث ـ حينئذ ـ أن تتحول إلى شىء تزهد فيه النفس، بل وتعافه. وهذا هو بعض الحكمة من النهى عن الإسراف.
وقوله تعالى :« قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ؟ » هو إغراء بالتنعم بنعم اللّه، والتجمل بها، وأخذ حاجة النفس منها.. ثم هو إنكار على من يأخذون على أنفسهم أو على الناس الطريق إلى نعم اللّه، ويزهدونهم فيها، أو يحرمونهم منها.. فلمن إذن هذه النعم ؟
واللّه سبحانه وتعالى يقول :« إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ».
. ويقول سبحانه هنا فى هذه الآية :« هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ » أي زينة اللّه هذه التي أخرج لعباده، وهذه الطيبات من الرزق، هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا، ينعمون بها، ويرون فضل اللّه عليهم فيها، فيزداد حمدهم له، ويقوى إيمانهم به..