قال ابن كثير (١) : وهذا محمول على ما إذا أراد بذلك الفخر والتطاول على غيره؛ فإن ذلك مذموم، كما ثبت في الصحيح عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَخِى بَنِى مُجَاشِعٍ قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - ذَاتَ يَوْمٍ خَطِيبًا فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَىَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ». (٢)
وأما إذا أحب ذلك لمجرد التجمل، فهذا لا بأس به، فقد ثبت - فيما روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ - ﷺ - قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ». (٣).

(١) - تفسير ابن كثير - دار طيبة - (٦ / ٢٥٩)
(٢) - صحيح مسلم (٧٣٨٩ )
(٣) - صحيح مسلم(٢٧٥) - البطر : التكبر على الحق فلا يقبله -الغمط : الاحتقار والاستهانة
وعَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ، وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : فِي هَذَا الْخَبَرِ مَعْنَيَانِ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الَّذِي نَوَّعْنَا لَهُ النَّوْعَ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ أَرَادَ بِهِ جَنَّةً عَالِيَةً يَدْخُلُهَا غَيْرُ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَقَوْلُهُ : وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ أَرَادَ بِهِ نَارًا سَافِلَةً يَدْخُلُهَا غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي : لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَصْلاً مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ، أَرَادَ بِالْكِبْرِ الشِّرْكَ، إِذِ الْمُشْرِكُ لاَ يَدْخُلُ جَنَّةً مِنَ الْجِنَّانِ أَصْلاً، وَقَوْلُهُ : لاَ يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ مِنْ إِيمَانٍ أَرَادَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْخُلُودِ، حَتَّى يَصِحَّ الْمَعْنَيَانِ مَعًا. صحيح ابن حبان - (١٢ / ٤٩٣) (٥٦٨٠) صحيح


الصفحة التالية
Icon