والقصة في القرآن ليست عملا فنيا مستقلا في موضوعه وطريقة عرضه وإدارة حوادثه - كما هو الشأن في القصة الفنية الحرة، التي ترمي إلى أداء غرض فني طليق - إنما هي وسيلة من وسائل القرآن الكثيرة إلى أغراضه الدينية. والقرآن كتاب دعوة دينية قبل كل شيء ؛ والقصة إحدى وسائله لإبلاغ هذه الدعوة وتثبيتها. شأنها في ذلك شأن الصور التي يرسمها للقيامة وللنعيم والعذاب، وشأن الأدلة التي يسوقها على البعث وعلى قدرة الله، وشأن الشرائع التي يفصلها والأمثال التي يضربها... إلى آخر ما جاء في القرآن من موضوعات.
وقد خضعت القصة القرآنية في موضوعها، وفي طريقة عرضها، وإدارة حوادثها، لمقتضى الأغراض الدينية ؛ وظهرت آثار هذا الخضوع في سمات معينة سنعرض لها بعد قليل. ولكن هذا الخضوع الكامل للغرض الديني، ووفاءها بهذا الغرض تمام الوفاء، لم يمنع بروز الخصائص الفنية في عرضها. ولا سيما خصيصة القرآن الكبرى في التعبير. وهي التصوير.
وقد لاحظنا من قبل أن التعبير القرآني يؤلف بين الغرض الديني والغرض الفني، فيما نعرضه من الصور والمشاهد. بل لاحظنا أنه يجعل الجمال الفني أداة مقصودة للتأثير الوجداني، فيخاطب حاسة الوجدان الدينية، بلغة الجمال الفنية. والفن والدين صنوان في أعماق النفس وقرارة الحس، وإدراك الجمال الفني دليل استعداد لتلقي التأثير الديني، حين يرتفع الفن إلى هذا المستوى الرفيع، وحين تصفو النفس لتلقي رسالة الجمال.