فليس بعيب في الفاصلة وجاز الانتقال في الفاصلة، والقرينة وقافية الأرجوزة من نوع إلى آخر بخلاف قافية القصيدة ومن ثم ترى تُرجعون مع عليم، والميعاد مع الثواب والطارق مع الثاقب(١)

(١) لم يتعرض الشارح رحمه الله لذكر ثمانية أبيات من الناظمة ولعله تركها لأنه قال في مقدمته سأذيل شرحي بما مست إليه الحاجة من أبيات القصيدة، فهذه الأبيات لم تدع الحاجة لذكرها في شرحه وهذه الأبيات هي:
عَلى قِصْرٍ إلاَّ لما جَاء مَعْ قَصْرِ
وَمَا تَأْتِ آياتُ الطْوَالِ وغَيْرِهَا
عَلى حَدِّهَا تَعْلُو البَشَائِرُ بِالنَّصْرِ
وَلَكِنْ بُعُوثُ البَحْثِ لا فُلَّ حَدُّهَا
لِمَا ألَّفَ الفَضْلُ ابنُ شَاذَان مُسْتَقْرِي
وَقَدْ أُلِّفَتْ فِي الآيِ كُتْبٌ وإِنَّنِي
مَع ابنِ يَسَارٍ مَا احْتَبَوهُ عَلَى يُسْرِ
رَوَى عَنْ أُبَيٍّ والذَّمَارِي وَعَاصِمٍ
وَعَنْهُ رَوَى الكُوفِي وَفِي الكُلِّ أَسْتَبْرِي
وَمَا لابنِ عِيْسَى سَاقَهُ كِتَابِهِ
بِجَمْعِ ابْن عمَّارٍ وَجَمْعِ أَبِيْ عَمْرِو
ولَكِنَّنِي لَمْ أَسْرِ إِلاَّ مظَاهِرَاً
وَمِنْهُ غِيَاثِي وَهْوَ حَسْبِي مَدَى الدَهْرِ
عِسَى جَمْعُهُ فِيْهِ عُمْدَتِي وَتَوَكُّلِي
وتتميماً للفائدة أوضح المراد من هذه الأبيات بإيجاز فأقول:
قوله: ((وما تأت آيات الطوال الخ)) معناه: لا تجيء آيات السور الطوال والقصار قصيرة على كل كلمة واحدة إلا بالأخذ عن السلف والسماع منهم وهذا من أدلة التوقيف في العدد.
وقوله: ((ولكن بعوث البحث)) معناه لما قدم المصنف أن عدد الآي ثابت بالتوقيف، وكان ذلك موهما أن هذا العلم نقلي محض لا مجال للعقل فيه، استدرك لدفع هذا التوهم فبين أن ليس معنى كونه نقلياً أن جميع جزئياته. كذلك بل معنى ذلك أن معظمه نقلي وقد استنبط منه العلماء الباحثون قواعد كلية ردوا إليها ما لم ينص عليه في الجزئيات بالاجتهاد فقال ولكن بعوث البحث الخ.
وقوله: ((وقد ألفت في الآي كتب الخ)) معناه: قد ألف في علم فواصل الآي كتب كثيرة وإنني متتبع في نظمي ما رواه أبو العباس الفضل بن شاذان بن عيسى الرازي وهو من رواة أبي جعفر وقد توفى في حدود سنة مائتين وتسعين بعد الهجرة.
وقوله: ((روى عن أبيّ والذماري وعاصم الخ)) نقل الفضل بن شاذان العدد المكي عن أبيَ بن كعب والعددَ الشامي عن يحيى الذماري والعددَ البصري عن عاصم الجحدري وعطاء بشير اليسر يسار وهذه الأعداد هي التي أشار إليها باسم الموصول يعني روى ما نقل هؤلاء من الأعداد على يسر وسهولة.
وقوله: ((وما لابن عيسى ساقه في كتابه الخ)) معناه والعدد الذي نسب لابن عيسى وهو سليم بن عيسى الحنفي ذكره الفضل بن شاذان وساقه في كتابه وعن سليم روى الكوفي هذا العدد فالعدد الكوفي مروي عن سليم عن حمزة وسفيان كما سبق وقد نقله ابن شاذان في كتابه وسأنقله أيضاً تبعاً له.
وقوله: (( ولكنني لم أسر إلا الخ)) لما أخبر الناظم أنه متتبع لما روى الفضل بن شاذان أوهم ذلك أنه لم يأخذ من غيره فرفع ذلك التوهم بقوله (ولكنني الخ) والمعنى ولكنني في متابعتي للفضل أستعين على هذه المتابعة بما جمعه ابن عمار وجمعه الداني في كتاب البيان ولهذا لم يذكر العدد الحمصي لان الفضل لم يذكره ثم شرع في المناجاة لرب السموات.
بقوله: ((عسى جمعُهُ في الله الخ)) البيتين معناهما: توجُّهٌ إلى الله تعالى بالرجاء أن يكون جميع عدد آي القرآن الذي قصد إليه الناظم في هذا النظم خالصاً من الشوائب صافياً من الأكدار وذلك بإخلاصه النية لله تعالى، ورجاء أن يعمم نفعه حتى يكون سبباً في شفاء الناس من الجهل بهذا العلم، ثم أظهر عجزه عن إمام العلم إلا بمعونة من الله، فقال: (على الله الخ) أي اعتمادي في هذا الأمر على الله لا على غيره. وتوكلي عليه وتوكلي عليه أيضاً وغياثي مطلوب من الله تعالى أيضاً لا من غيره لأنه كافي مدة الدهر.


الصفحة التالية
Icon