جرا، وألفوا فيها التآليف البليغة نظماً ونثراً، ومن أبْلغها نظماً وأصغرها حجماً وأكثرها نفعاً وأكبرها علماً، القصيدة الرائية المُتقَنةُ المباني الموسومة بناظمة الزُّهر في عدِّ آيات المثاني المعزية إلى قدوة كل مشرقي ومغربي، الإمام أبي القاسم بن فيُّرة بن خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي، الجامعة لفروع هذا الفن وقواعده الحاوية لنكت مسائله وفوائده، ولقد وقع في الخاطر تأليف شرح عليها يُبين لُغاتها ويوضحُ ما لديها فأعملت الفكرة في دقيق عباراتها وأمعنت النظر في تحقيق إشاراتها فوجدت هذا الأمر لمثلي غير مستطاع، ولقلة الموادِّ لا تتعلق بنيله الأطماع حيث لم أقف على شرح يزيل الإشكال ولا يرفع عنها ما هو أمثال الجبال، خصوصاً في زماننا الذي عُطِّلتْ فيه مشاهدُ هذا العلم ومعاهِدُه وسدَّت مصادره وطُمست مواردُه وخلتْ دياره ومراسمه، وعفت أطلاله ومعالمه فلمت أعياني عدم الحصول على المطلوب، وأقعدتني قلة المواد عن الوصول إلى المرغوب ولم أتحصل إلا على شرح لواحد(١)
قال المصنف:
وبَعدُ صلاةُ الله ثم سلامُه
على خير مُختارٍ من المُجَّدِ الغرِّ
قوله: المجَّد جمع ماجد كالنصر جمع ناصر وهو نيل الشرف من جهة الآباء أي كما أن رسل الله تعالى عليهم السلام ذو شرف بنفوسهم القدسية فكذلك آباؤهم شرفاء قومهم كما قيل:
إن من ساد ثم ساد أبوه
ثم قد ساد قبل ذلك جده
والغر بضم الغين جمع أغر كما أن الحمر جمع الأحمر وهو سيد القوم. والمعنى: بعد بدئي حمد الله أقول صلاة الله ثم سلامه نازلان على خير من اختارهم الله تعالى واصطفاهم من الأنبياء والمرسلين الذين كانوا الأماجد والسادات والصلاة من الله الرحمة. والسلام هو الأمان، قال المصنف:
محمدٍ الهادي الرَّؤوفُ وأهلِهِ
وأصحابِهِ سُحْبُ المكارِمِ والْبِرِّ
قوله الهادي: المرشد إلى طريق التوحيد، الرؤوف صفة على وزن فعول من الرأفة وهي أشد الرحمة لأنه عليه الصلاة والسلام راحم أمته أشد الرحمة وأهل النبي هم أمته والمراد به كل مؤمن تقي نقي سواء كان له قرابة أو لا. وأصحاب جمع الصحب وهو أسم جمع مفرده صاحب كركب وراكب واختلفوا في تفسيره فقالوا: إنه يطلق على من رآه صلَّى الله عليه وسلَّم وخالطه، وإنما عُدَّ من رآه ولم يخالطه إلحاقاً بهم والسحب بضم السين وسكون الحاء جمع سحابه وهي الغيم وهي هنا ما فيها تبشير بالمطر، والمكارم جمع مكرمة وهي الإحسان، والبر بكسر الباء هو الأقوال المرضية والسعي في الخيرات والمعنى أن الصلاة والسلام على محمد وعلى كل من آمن به وخاصَّة قرابته الأدنين.