أو عمدت إلى التوراة فنسخت منها نسخ مختلفة متباينة زدت ونقصت وقدمت وأخرت، وذهبت بها إلى سوق اليهود فعرضتها عليهم فاشتروها، واعتمدوا ما فيها، ثم عمدت إلى الإنجيل وصنعت به مثل ما صنعت في التوراة، وعرضته على النصارى فاشتروه وصاروا صار ديدنهم يقرءونه ليل نهار، ويعتمدون على ما فيه، وأنا زدت ونقصت وقدمت وأخرت وحرفت، ثم عمدت إلى القرآن فغيرت فيه تغييراً يسيراً لا يمكن أن يطلع عليه إلا الخريت، فنسخت ثلاث نسخ كلها فيها تغييرات يسيرة، فعرضتها في سوق المسلمين فكل من فتحها رماها في وجهي، فجزمت بأن هذا هو الدين الصحيح، وهذا هو الدين المحفوظ، يقول يحيى بن أكثم: فحججت، حج في تلك السنة فلقي سفيان بن عيينة وذكر له القصة، فقال: هذا منصوص عليه في كتاب الله، هذا مذكور في القرآن، بالنسبة للقرآن ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [(٩) سورة الحجر] وبالنسبة للكتب الأخرى ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُواْ﴾ [(٤٤) سورة المائدة] وكل الحفظ إليهم فلم يحفظوا، وأما القرآن فقد تكفل الله بحفظه، وهذا سر بقائه، يعني أربعة عشر قرناً وزيادة لم يتطرق له تحريف ولا تبديل ولا تعديل، بقي غضاً كما أنزل يقرأه الإنسان اليوم كما يقرئ في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتسمعه في شرق الأرض وغربها لا تجد أدنى اختلاف، إلا اختلاف يسير مروي ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- سبعي، يحتمله الرسم، وهو ما يعرف بالقراءات؛ لأن كل بلد له قراءته التي اعتمد عليها، وكلها قراءات ثابتة، نعم يا شيخ.
يقول السائل: كيف ترتبون لطالب العلم أن يبتدئ في علوم القرآن؟
أفضل شروح الموطأ على الإطلاق التمهيد لابن عبد البر، التمهيد لابن عبد البر، وقد عني فيه ببيان المعاني والأسانيد، وكمله بالاستذكار الذي جمع فيه وأفاض في ذكر مذاهب علماء الأمصار فهما عبارة عن كتاب واحد متكامل من كل وجه، فالتمهيد ترتيبه يصعب على المتعلمين؛ لأن الإمام -رحمه الله- رتبه على شيوخ مالك، ورتب الشيوخ على طريقة المغاربة في ترتيب الحروف، لكنه ذللت هذه المشكلة فرتب على أحاديث الموطأ، مثل الشيخ عطية سالم رتب الشرح على أحاديث الموطأ فأفاد وأجاد -رحمه الله تعالى-، فإذا قرئ كلام ابن عبد البر في التمهيد وكلامه في الاستذكار نور على نور، فيكون بذلك تكامل؛ لأن الصبغة في التمهيد معاني وأسانيد، الصبغة في الاستذكار الفقه وأقوال الفقهاء، فقهاء الأمصار وأدلتهم، وابن عبد البر إمام يشرف طالب العلم أن يقرأ له حقيقة؛ لأن هذا العلم دين، فانظر عن من تأخذ دينك، ابن عبد البر إمام من أئمة المسلمين يشرف طالب العلم بالقراءة له، إذا قال: إن هذه كتب مطولة لا أستطيع فيها طول وفيها كذا، شرح الزرقاني متوسط، وإن كان أفضل منه شرح الباجي المنتقى، لكن شرح الزرقاني أسهل من شرح الباجي.
أحسن الله إليكم: يقول السائل: فضيلة الشيخ هل كان من هدي الصحابة والسلف الصالح أنهم يتتبعون الجنائز بحيث إنه من فاته جنازة الظهر وجاء إلى المقبرة بعد العصر يصلي على جنازة الظهر فهل يقوم على القبر ويصلي أم أنه يترك ذلك ولا يفعل؟
و صلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحسن الله لفضيلة الشيخ: هذا الشرح وهذا التفصيل في هذه العلوم المختلفة التي يجمعها كتاب الله -عز وجل-، والأسئلة كثيرة نأخذ منها سؤالين أو ثلاثة.
يقول السائل: فضيلة الشيخ سمعنا بالخلاف الذي في الأداء فهل هو متواتر أم لا يعد من المتواتر؟ وبناءً على هذا هل يمكن أن نقول: إن القراءة بالتجويد مستحبة ويؤجر عليها الإنسان؟ أفتونا والله يثيبكم.
أما القول بالاستحباب فلا إشكال فيه، ولو لم يكن في ذلك إلا أنه من العناية بكتاب الله وللخروج من الخلاف القوي؛ لأن جمعاً من أهل العلم يرون أن الأداء متواتر، وإذا كان الأداء متواتراً فلا مندوحة من الأداء بما تواتر وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بطريق التواتر، يقول بعضهم: إن الأداء لم يثبت بطريق التواتر، نعم إن كان المراد بالتواتر النقلي،.... نقل الصفة نعم فهذا لا يمكن؛ لأنه لا يوجد عندهم آلات تسمع فيها الأصوات، لكنه تواتر طبقة، كل مجموعة تحيل العادة تواطئهم نقلوه عن من قبلهم ومن قبلهم وهذه حجة من يوجب القراءة بالتجويد، وعلى كل حال أدركنا أئمة يقتدى بهم نعم تبرأ الذمة بتقليدهم، يقرءون القرآن على وجه قد لا تنطبق عليه القواعد من كل وجه، لكنهم يقرءونه على وجه واضح مبين للمعاني، مؤثر في السامع، وإن لم تنطبق عليه جميع قواعد التجويد، وعلى كل حال الاستحباب أمر مفروغ منه، لكن يبقى الوجوب والتأثيم هذا محل نظر.
أحسن الله إليكم: يقول السائل: هل تجوز القراءة بالقراءة الشاذة في الصلاة وفي خارجها؟
مثال الأول: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [(١٧٩) سورة البقرة]، من أبلغ الكلام، كلمات يسيرة تحمل المعاني.. ، إيش معنى في القصاص حياة؟ يعني القصاص فيه موت، القصاص حقيقته موت، قتل للقاتل، لكن موت شخص واحد لو ترك هذا القاتل نعم لترك يعبث بالناس أو لسطا عليه نعم أهل المقتول فقتلوه وقتلوا معه، ودافع عنه قومه وحصل قتل كثير، من هنا جاء قوله -جل وعلا-: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [(١٧٩) سورة البقرة] يعني لا يعني حياة المقتص منه حياة من وراءه وخصومه، والعرب يقولون: "القتل أنفى للقتل" هذا الكلام صحيح، قد يقول قائل: كيف لنا حياة ونحن نقتل؟ نقول: نعم نقتل واحد في سبيل إحياء جمع غفير من الطرفين.
والثاني: ﴿أَلَمْ أَقُل لَّكَ﴾ [(٧٥) سورة الكهف] لك وفي الآية الأخرى ما فيها (لك) وتؤدي نفس المعنى، إذاً (لك) هنا قدر زائد على ما جاء في الآية الأخرى التي تؤدي نفس المعنى فهذا إطناب.
والثالث: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [(٤٣) سورة فاطر]، مساواة بقدر المعاني.
السادس: القصر، وهو الحصر، ومثاله: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ﴾ [(١٤٤) سورة آل عمران]، والقصر كما تعلمون قصر حقيقي وقصر إضافي، فهنا القصر قصر محمد على الرسالة، والمراد من ذلك ألا نعم يتصور أنه مخلد مثلاً، ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ﴾ [(١٤٤) سورة آل عمران] يعني هذا وصفه، هذا أخص أوصافه.