نقول: علينا أن نُعنى بكتاب الله -عز وجل-، وقرأتم وسمعتم عن السلف من اهتمامهم بكتاب الله -عز وجل- ما يعده البعض من الأساطير، يعده بعض الناس من الأساطير التي لا يقبلها العقل، وهذا بالتأكيد لم يجرب ولو جرب لوجد أن هذا في المقدور، وأنه أمر يسير، ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [(١٧) سورة القمر].
التصنيف في علوم القرآن:
علوم القرآن الذي نحن بصدد الحديث عنه تأخر التصنيف فيه، من أول من صنف فيه على سبيل جمع أكثر من فن من فنونه وإلا ففنونه موجودة مبثوثة في كتب العلم مشتركة بين علم الحديث، علم الرواية، وأيضاً علوم اللغة لا سيما البلاغة وما يتعلق بها، وهي أيضاً موجودة في كتب مباحث القرآن، موجود في كتب أصول الفقه، وتأخر التأليف المستقل الجامع لفنون علوم القرآن حتى ذكر السيوطي أن أول من ألف فيه، جلال الدين البلقيني المتوفى سنة أربع وعشرين وثمانمائة، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، ابن الجوزي ألف، وهو متوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة، الطوفي ألف، الزركشي ألف قبل البلقيني، الزركشي له كتاب من أعظم كتب علوم القرآن وهو البرهان، قبل البلقيني.
المقصود أن السيوطي يبدو أنه أول ما وقف وقف على كتاب البلقيني، وكتاب المرشد الوجيز لأبي شامة، وهناك أيضاً الإكسير للطوفي، وكتب كثيرة في علوم القرآن، ثم بعد ذلكم وقف على البرهان في علوم القرآن، وجمع هذه الكتب، وأضاف إليها ما وجده في غيرها في ثنايا الفنون الأخرى، فألف كتاباً اسمه: (التحبير في علم التفسير) ضمنه أكثر من مائة نوع من أنواع علوم القرآن، ثم بعد ذلكم ألف (الإتقان) وهو كتاب نفيس لا يستغني عنه طالب علم، جمع بعض الأنواع، ضم بعضها إلى بعض فخزلت عنده إلى الثمانين.
"وآية القبلة، و﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ﴾ [(٥٩) سورة الأحزاب] الآية"، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ﴾ [(٥٩) سورة الأحزاب] لما خرجت سودة تقضي حاجتها، متحجبة حجاباً كاملاً، لكن غيرة عمر -رضي الله عنه- على نساء النبي -عليه الصلاة والسلام- جعله يقول: "قد عرفناك يا سودة" هي تضايقت من هذا الكلام، فعرض ذلك على النبي -عليه الصلاة والسلام- فأنزلت هذه الآية، آية الحجاب، وأخذ كونها نزلت ليلاً من كون النساء في ذلك الوقت لا يخرجن لقضاء الحاجة إلا ليلاً، كما في حديث عائشة، يعني أخذ كونها نزلت ليلاً من هذا، يعني لا يعرف أن النساء يخرجن بالنهار يتسكعن في الشوارع ذهاباً وإياباً بين.. ، يختلطن بالرجال، ويضطررن الرجال أحياناً إلى لزوم أصول الحيطان ولهن أوساط الطرق، لا، جاء النهي عن ذلك، فللمرأة حافت الطريق إذا اضطرت إلى الخروج، وإلا فالأصل: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [(٣٣) سورة الأحزاب] هنا يخرجن في الخفاء، في الظلام لقضاء الحاجة، والبيوت ليس فيها كنوف، هذه ضرورة.
"وآية الثلاثة الذين خلفوا في براءة"، الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك، ﴿وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ﴾ [(١١٨) سورة التوبة] إلى آخرها، وقصتهم معروفة في الصحيح، وهم كعب بن مالك، ومرارة بن ربيع، وهلال بن أمية، نزلت توبتهم في الثلث الأخير من الليل، وبشرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك في صلاة الصبح، فهذا من الليلي.
الصيفي والشتائي:
الآن ابن الحاجب لما قال: إن الأداء لم ينقل بطريق التواتر، يعني إن لم يكن تواتر نقلي، نقلي بمعنى أنه ممكن تصويره نعم إلا أنه يمكن سماعه، يمكن سماعه هذا حجة من يوجب التجويد، يقول: ألوف مؤلفة الآن تقرأ على هيئة واحدة، عن شيوخ يقرؤون على هيئة واحدة، عن شيوخ مئات بل ألوف يقرؤون على هيئة واحدة، وهكذا إلى أن نصل الإمام صاحب القراءة، فأنت إذا قرأت بقراءة نافع ونافع يمد مثلاً ست حركات، مددت أربع حركات هل أنت اقتديت بنافع؟ هل أنت تبعت نافع؟ نعم، لا، ما جئت به على الصفة التي تلقاها نافع عن شيوخه وتلقاها عنه تلاميذه، واضح وإلا ما هو بواضح؟ لكن وجود الخلاف بين هؤلاء السبعة في كيفية الأداء نعم وجود الخلاف؛ لأن القطعي القطعي لا يمكن أن يتصور فيه خلاف، نعم، السبعة لا يختلفون في أن ما بين الدفتين قرآن، لا يختلفون في هذا، لكن كيفية الأداء لما يحتمله رسم الكلمة تبعاً للرسم العثماني الذي أجمع عليه الصحابة نعم، يختلفون فيه، فأداء نافع غير أداء ابن كثير، وأداء ابن كثير غير أداء أبي عمرو وجود هذا الاختلاف يعني لو كان قطعياً ما ساغ مثل هذا الخلاف، لو كان قطعياً ملزماً ما ساغ وجود مثل هذا الخلاف بينهم، لكن يا الإخوان ما هو بهذا الكلام يتجه إلى القرآن نفسه، القرآن محفوظ، ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [(٩) سورة الحجر] من شك في حرف منه كفر، المسألة خطيرة يا الإخوان، المسألة ليست بالسهلة أن يشكك في القرآن، لكن كيفية الأداء هل نمد ست أو نمد أربع أو نمد ثلاث، هذه المسألة يختلف فيها القراء الذين نقلت قراءاتهم بالتواتر، ووجود مثل هذا الخلاف بين هؤلاء الأئمة يجعل في المسألة مندوحة في كيفية الأداء، على أن تؤدي الحرف نعم بطريق تبين المعنى.
قراءة الآحاد:
"ويجوز أن يراد به واحد بخلاف الأول"، يجوز أن يراد بالعام الذي أريد به الخصوص واحد، كما قالوا في قوله -جل وعلا-: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ﴾[(١٧٣) سورة آل عمران] واحد، لكن في العام المخصوص الذي يتناول جميع الأفراد المندرجة تحت اللفظ العام ثم خص منها وأخرج منها بالنص الخاص، جميع الأفراد عدا واحد، أو لا بد أن يبقى من الأفراد ما يمكن أن ينطبق عليه اللفظ وهو أقل الجمع؛ لأنه قال هنا: "ويجوز أن يراد به واحد"، يعني في العام الذي أريد به الخصوص هذا ظاهر، لكن الأول العام المخصوص هل يجوز أن يستثنى جميع الأفراد إلا واحد؟ أو لا بد أن يبقى الأكثر كما يقول بعضهم؟ أو أقل الجمع كما يقوله آخرون؟ وهل يمكن استثناء أكثر من النصف؟ نعم، لو قلت: عندي عشرة إلا تسعة، كلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟ عند الفقهاء نعم، المسألة خلافية كثير منهم لا يجيز استثناء أكثر من النصف، إيش معنى هذا؟ عبث، فيستثنى القليل من الكثير، ونظير ما عندنا الآن يقول: "يجوز أن يراد به –يعني العام الذي أريد به الخصوص– واحد" ومثاله ظاهر، العام المخصوص يقول: لا يجوز أن يستثنى منه الجميع إلا واحد، بل لا بد أن يبقى أقل ما يصدق عليه اللفظ وهو أقل الجمع.
"الرابع -المبحث الرابع- ما خص بالسنة وهو جائز وواقع كثيراً، متواترها وآحادها"، ما خص بالسنة وهو جائز وواقع، وسواءً متواترها وآحادها، يستوي في ذلك متواترها وآحادها، بمعنى أن الكتاب يخص بالسنة، بالمتواتر القطعي وبالآحاد الظني، فيخص القطعي الذي هو القرآن بالمتواتر من السنة وبالظني منها.