"وقيل: النساء"، القول الأول خلاف ما سيق قبل سيقت السور المدنية، وقيل: أن هذه السور أيضاً مدنية، وهنا قيل: النساء، وقد سيقت في المدني لتكون هنا في القول الثاني مكية، "وقيل: النساء، والرعد والحج والحديد، والصف والتغابن، والقيامة والمعوذتان مكيات"، الخلاف موجود بين أهل العلم، لكن هل يترتب على معرفة المكي و المدني فائدة، أو لا فائدة منها إلا مجرد الإلمام والمعرفة بجميع ما يدور حول كتاب الله -عز وجل- ليكون هذا من النفل؟ من نفل العلم، ومن ملحه لا من متينه؟ نقول: لا، هذا من متين العلم، طالب العلم لا بد أن يعرف السور المكية من السور المدنية، وإذا وجد آية مدنية في سورة مكية على طالب العلم أن يعرفها؛ لأنه يترتب عليه معرفة المتقدم من المتأخر، الناسخ من المنسوخ، هذا مهم جداً.
النوع الثالث والرابع: وهو متعلق بالنزول: الحضري والسفري، يعني ما نزل في الحضر في حال الإقامة، والسفري: ما نزل في حال السفر.
يقول -رحمه الله تعالى-: "الأول كثير" لماذا؟ لأن الإقامة هي الأصل، الإقامة هي الأصل، السفر طارئ خلاف الأصل، فالأول الذي هو الحضري كثير ولذا لا يمثل له، "والثاني -وهو السفري- سورة الفتح" سورة الفتح، وقد نزلت بين مكة والمدينة منصرف النبي -عليه الصلاة والسلام- من الحديبية، ولذا يجزم أهل العلم أن الصلح هو الفتح، نعم، الصلح هو الفتح؛ لأنه ترتب عليه مكاسب عظيمة للدين، فهو فتح وإن قال بعضهم: إن مقدمات الفتح فتح، والصلح مقدمة للفتح.
"والثاني: سورة الفتح"، يعني السفري، "والتيمم في المائدة بذات الجيش أو البيداء"، والقصة معروفة حينما فقدت عائشة العقد، حبست النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيح، ليسوا على ماء، وليس معهم ماء، وبعث النبي -عليه الصلاة والسلام- في طلب هذا العقد، ثم نزلت...
والصحيح الذي توافرت فيه شروط الصحيح: وهو ما نقله عدل تام الضبط بسند متصل غير معل ولا شاذ، هذا هو الصحيح عند أهل العلم.
الأول المتصل الإسنادِ... بنقل عدل ضابط الفؤادِ
عن مثله من غير ما شذوذِ... وعلة قادحة فتوذي
هذا هو الصحيح، هذا هو الصحيح، هل تثبت القراءة إذا توافرت هذه الشروط: عدالة الرواة، تمام ضبطهم، اتصال السند، انتفاء الشذوذ والعلة؟ هل تثبت القراءة بهذا؟ قال بذلك جمع من أهل العلم، وممن نصره ابن الجزري، وبالغ في الرد على مخالفيه، والأكثر على أن القراءة لا تثبت بهذا، بل لا بد أن تثبت بطريق قطعي ملزم؛ لأن القرآن شأنه عظيم.
قد يقول قائل: لو بحثنا في الأسانيد التي وردت فيها هذه القراءات بما في ذلك القراءات السبع أو العشر لا نجد من الطرق ما يكتمل به العدد الذي يطلب للتواتر، قلنا: أولاً: الصحابة أجمعوا على ما بين الدفتين وإجماعهم حجة قطعية ملزمة، لم يخالف منهم أحد، لم يخالف منهم أحد، هذا من جهة، الوجه الثاني: أن التواتر لا يلزم فيه نقل هذا التعدد، بل من التواتر ما يسمى تواتر الطبقة، بمعنى أن هذا القرآن المحفوظ بين الدفتين تلقته الأمة كافة عن كافة، الأمة بكاملها، تلقاه جبريل عن الله -عز وجل-، تقلاه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن جبريل، تلقاه الصحابة وهم جمع غفير عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعدهم التابعون تلقوه، هذا تواتر طبقة بعد طبقة إلى يومنا هذا، والقرآن يروى بهذه الطريقة، وينقل إلينا كما نزل بهذه الطريقة.
ما بين الدفتين لا يجري فيه الخلاف، لكن بعض القراءات التي لا توجد في الرسم العثماني وما اتفق عليه الصحابة مما يصح سنده كقراءة ابن مسعود: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما"، "أو فصيام ثلاثة أيام متتابعات"، "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر"، هذه قراءات تنقل بأسانيد منها الصحيح ومنها الحسن، ومنها دون ذلك، هل يثبت القرآن بهذه الطريقة؟ ماذا يقول المؤلف؟
يقول: "الأول كثير" العام المخصوص الذي دخله الخصوص جاء مخصص بنص آخر، والمخصصات كثيرة، مستوعبة في كتب الأصول، يطول الوقت بذكرها والتمثيل لها، فالإحالة على كتب الأصول سهلة.
الثاني: "قليل" العام الذي أريد به الخصوص، ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ﴾ [(٥٤) سورة النساء] والمراد بالناس هنا الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ﴾ [(١٧٣) سورة آل عمران] الذين قال لهم الناس الأصل العموم فيشمل جميع الناس لكن يراد به شخص واحد هو نعيم بن مسعود، ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ﴾ هل جميع الناس قالوا: أي جميع الناس قالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-: إن جميع الناس بما فيهم من قال له ذلك قد جمعوا لكم؟ نعم، لا يتصور هذا، شخص واحد قال لهم: إن الناس يعني أبا سفيان ومن معه يجمعون لحربكم، ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾ [(١٧٣) سورة آل عمران].
عرفنا الفرق بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص أن المتكلم أراد العموم ثم أخرج بعض أفراد العام بأدلة أخرى، في العام المخصوص.
المتكلم في العام الذي أريد به الخصوص لم يرد جميع الأفراد التي تندرج تحت هذا العام، إنما أراد بعض الأفراد، ويفرق المؤلف بينهما من وجه آخر أو من وجوه.
يقول: "الفرق بينهما: أن الأول: حقيقة، والثاني: مجاز"، إيش معنى حقيقة؟ يعني تناول اللفظ مطابق له في العام المخصوص، في العام المخصوص، ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [(١- ٢) سورة العصر] الأصل ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ جميع الناس...
نسخ القرآن بالسنة الأكثر ينفون هذا، ويقولون: إن الأضعف لا ينسخ الأقوى، وأشرنا قريباً إلى أن أهل التحقيق أو جمع من أهل التحقيق أثبتوه وقالوا: الكل وحي، والكتاب والسنة منزلتهما واحدة في أن المسلم متعبد بهما، وإن اختلفا في كيفية الثبوت، مما يمثل به لهذا في قوله -جل وعلا-: ﴿حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾ [(١٥) سورة النساء]، ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ﴾ حبس الزناة نعم، جاء في الحديث الصحيح حديث عبادة بن الصامت: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، أو تغريب سنة)) فهذا دليل على نسخ القرآن بالسنة، ومنهم من يقول: أن قوله: "حتى" يعني توقيت، وجاء الحديث مبين لانتهاء هذا التوقيت، فيكون من باب البيان لا من باب النسخ، نعم.
أحسن الله إليكم: أشرتم إلى الخلاف في أداء تحية المسجد في وقت النهي، فما الراجح في ذلك؟