"علم التفسير: علم يبحث فيه عن أحوال الكتاب العزيز" عن أحواله، يعني هل نعني بعلم التفسير مثل ما نقول: هذا تفسير ابن كثير، مثل تفسير ابن جرير تفسير.. ؟ هل نعنى به الكشف والبيان عن معاني القرآن؟ عن معاني ألفاظه وجمله؟ أو ما يتعلق بالقرآن على سبيل الإجمال من اصطلاحات نظير ما يبحث في علوم الحديث وأصول الفقه؛ لأن علم التفسير قد يراد به التفسير الذي هو من الفسر، وهو الكشف والإيضاح والبيان للغامض من كلمات القرآن وجمله، قد يطلق ويراد به ذلك، والتفاسير كلها على هذا.
فالمؤلف لا يريد من علم التفسير ما يقصده المفسرون في تفاسيرهم من شرح وبيان لغامض القرآن، وإنما يريد به علوم التفسير الإجمالية التي تخدم الكتاب، كالنزول بأنواعه وأسبابه، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد وغير ذلك، عام وخاص، مبهمات، إلى الأنواع التي أوصلها هنا إلى خمسة وخمسين نوعاً، وعرفنا أنه أوصلها في التحبير إلى مائة ونوعين.
"علم يبحث فيه عن أحوال الكتاب العزيز" أحوال، إذا قلنا: إن التفسير يبحث في مفردات القرآن، وجمل القرآن، وتراكيب القرآن، هنا يبحث فيه عن أحوال، يعني لو نضرّنا بعلوم أخرى قلنا: إن التفسير على اصطلاح ابن جرير وابن كثير وغيرهم من المفسرين نظير الصرف، وهذا نظير النحو الذي يبحث فيه عن عوارض الكلمة، والشيخ عندنا هذا فنكم.
منكم نستفيد.
ولو جئنا بمثال آخر لقلنا: إن هذا العلم الذي يبحث فيه عن الأحوال والعوارض نظير علم الطب، والتفسير نظير علم التشريح، والتنظير لعله مطابق، أريد أن أبين أنه ليس مراده المراد بقوله: علم التفسير ما يبحثه ابن كثير وإلا ابن جرير وإلا.. ، لا، المقصود به العلوم، وهي القواعد، قواعد هذا الفن، وما يحتاج إليه من قواعد إجمالية.
"علم يبحث فيه عن أحوال الكتاب العزيز" الذي هو إيش؟ القرآن الذي عرفه بقوله: "المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- للإعجاز بسورة منه".
الفائدة التي أشرنا إليها قبل وهو أنه قد يقصر النص على سببه عند التعارض، فمثلاً في قوله -جل وعلا-: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾ [(١١٥) سورة البقرة] عمومه يدلك على أي جهة اتجهت صلِ، نعم، عموم، فهل نعمل بهذا العموم؟ نعم لماذا؟ لأن السبب، السبب احتجنا إليه، وهو أنهم اجتهدوا فصلوا فتبين أنهم صلوا إلى غير القبلة، فنزل قوله: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾ [(١١٥) سورة البقرة] يعني بعد التحري والاجتهاد إذا تبين أنك أخطأت صلاتك صحيحة، ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾ [(١١٥) سورة البقرة] لكن بعد الاجتهاد والتحري، وإلا فالأصل أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة لا تصح إلا بها، هذا الأصل، فقصرنا الحكم على سببه، قصرنا النص على سببه؛ لأن عموم النص معارض، معارض، عمومه معارض فاحتجنا للتوفيق بين هذه النصوص أن نقصر الحكم على سببه، ومثال من السنة يوضح المراد: في حديث عمران بن حصين: ((صلِ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) دل هذا الحديث بعمومه على أن المتستطيع لا تصح صلاته إلا من قيام، لا تصح صلاته إلا من قيام، ويشمل جميع الصلوات، الفريضة والنافلة، العادية ذات الركوع والسجود، الطارئة صلاة جنازة، صلاة كسوف، أي صلاة لا تصح إلا من قيام، هذا بعمومه يتناول جميع الصلوات، لكن عندنا حديث آخر: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) لا بد أن نتصرف أمام هذين النصين؛ لأن هذا بعمومه يشمل جميع أنواع الصلاة فلا تصح مع الاستطاعة إلا من قيام، والثاني أيضاً بعمومه؛ لأنه مفرد مضاف ((صلاة القاعد)) فيعم، على النصف من أجر صلاة القائم يدل على صحة الصلاة جميع الصلوات، لكن الأجر نصف أجر، نحتاج إلى سبب لنقصر الحكم على سببه.
يقول: "كقراءة ابن مسعود: "وله أخ أو أخت من أم" ظاهر وإلا مو بظاهر؟ يعني انفكت الجهة، رددنا هذه القراءة المنسوبة لابن مسعود وقد صح سندها إليه، نعم، رددناها على اعتبار أنها قرآن، وقبلناها على اعتبار أنها تفسير، وقلنا: إن مثل هذا القبول والرد وهما متعارضان متناقضان، القبول والرد إلا أنه من حيث انفكاك الجهة يمكن أن تقبل باعتبار وترد باعتبار، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ طيب.
الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [(٦٠) سورة التوبة] هذا خاص بالعاملين، يشمل جميع من يعمل على الصدقة، سواءً كان غنياً أو فقيراً، فهو مخصص لحديث: ((لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب)) فالغني إذا كان الوصف المدخل له في أهل الزكاة العمل فيها جاء النص الخاص بالكتاب مخرج له من عموم الحديث.
﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ [(٢٣٨) سورة البقرة] مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) عموم الحديث الثاني يشمل صلاة الفجر، لكن ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ مخرج لصلوات الفرض، فـ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ خاص على حد زعم المؤلف، وإن كان لا يسلم من نقاش، و((لا صلاة بعد العصر)) عام عنده، و((لا صلاة بعد الصبح)) عام، و"ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" هذا عام يشمل جميع الصلوات، يخصص بالفرائض كما هنا ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ لكن من جهة أخرى ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ بعمومه يتناول الفرض والنفل.