_ فالهداية المنفية هي: هداية التوفيق والقبول، فالنبي_عليه الصلاة والسلام_ يهدي بمعنى يدل ويُرشد، أتباعه يهدون؛ لكن هل يوفقون للقبول؟ لا، بدليل النبي_ عليه الصلاة والسلام_ حرص على هداية عمه، ((ياعم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله))، ولم يقُل، ما استطاع_عليه الصلاة والسلام_ مع أن عمه خدم النبي_عليه الصلاة والسلام_ ودافع عن النبي_ عليه الصلاة والسلام_، وخدم دعوة النبيّ، ومع ذلك:﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾.
_ أما هداية الدلالة والإرشاد فهذه للأنبياء، وهي أيضًا لإتباعهم ممن يدعو على سبيلهم ممن اتبعهم:﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾(١)، فهم يهدون النّاس بمعنى يدلونهم، ويرشدونهم؛ لكن ليس بأيديهم أن [أن] يجعلوا هؤلاء النّاس المدعوين يقبلون ويهتدون، لا هذه بيد الله _جلّ وعلا_، والأجور إنما رُتِبت على مجرد بذل السبب؛ فالنتائج بيد الله_جلّ وعلا_، ومن نعم الله_جلّ وعلا_ إنّه علقَ الأجور ورتبها على مجرد بذل السبب.
قد يقول قائل: إنّه يدعو، يدعو النّاس ليل ونهار، سرّ و جهار، على كافة المستويات وبشتى الوسائل والطُرق ومع ذلك ما هدى أحد؟
نقول: ليس لك على هذا الأمر القلوب بيد الله_جلّ وعلا_ عليك أن تبذُل السبب وقد بذلت فأجرُك ثبت، وقل مثل هذا في الإنكار، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وما تغير شيء، يترك؟ ما يترك؛ لأن أجرهُ مُرتب على مُجردِ بذل السبب، كون المنكر يرتفع هذا مطلوب؛ لكن ليس بيدك النتائج بيد الله_جلّ وعلا_ والمُسَبَبات إليه_جلّ وعلا_. والله أعلم
وصلّى الله وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(١) سورة (يوسف: ١٠٨)


الصفحة التالية
Icon