ذكرنا مثال: لو أن إنساناً احتاج إلى كراتين لنقل مكتبته من مكانٍ إلى مكان، فما وجد إلا كراتين دخان. فقال: هذه كتب علم قال الله، وقال رسوله، وهذه الكراتين كانت ظروف لمحرم فكيف أحمل الكتب من خلال هذه الكراتين التي استعملت في معصية. يقال له: لا حرج عليك ولا جناح؛ لأن هذه الكراتين طاهرة ونظيفة، ومناسبة للكتب، وقوية ومتينة. تحرج باعتبار ما كان. وأما الحكم الشرعي: كراتين طاهرة، واليابس لا ينجس اليابس، على القول: بأن المسكر والمفتر فيه ما فيه. ولا شك أن النفس تجد، أو الأنسان يجد في نفسه شيء من القلق في مثل هذه الأمور. يعني لو عندك أو معك مصحف وتقرأ وأردت أن تسجد فتقول: بدل من أن أضعه على الأرض-ويجوز وضعه على الأرض- بخلاف إلقائه. لكن ما معك إلا كرتون-مثلاً- أكرمكم الله حفائظ لكنه جديد، جيء به من المصنع. نعم؟ يتحرج الإنسان أن يضع هذا المصحف الجليل الشريف على هذا الكرتون، وهو نظيف ما فيه أدنى إشكال، لكن الإنسان يجد في نفسه حرج من بعض الأمور. صح أو لا؟ فهم وجدوا في أنفسهم مثل هذا الأمر. وإلا جاء الأمر به: ( إن الله كتب عليكم السعي ) وسعى النبي-عليه الصلاة والسلام-فما للحرج من موقع في مثل هذه الأمور. لكن النفس جبلت على هذا فنزل قول الله-جل وعلا-:﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ولو لم نعرف السبب لوقعنا في إشكال في دلالة الآية كما وقع عروة.
(والسَّعْيِ والحِجَابِ مِنْ آياتِ): عمر-رضي الله تعالى عنه-كان يغار على زوجات النبي-عليه الصلاة والسلام-ولا يوجد مخلوق أغير من النبي-عليه الصلاة والسلام-فعمر-رضي الله عنه-زائدة؛ لأن هناك من الصفات، وإن شئت فقل جميع الصفات المحمودة لابد من التوسط فيها، فصنيعه عليه الصلاة والسلام هو الوسط.