…وقال: "إن الأيام ستثبت صدق هذه الدعوة التي ندعيها لعالمية الإسلام لأننا لا نقيم هذه الدعوة على عاطفة دينية نحو الدين الذي ندين به، وإنما نقيمها على ما نستشفه من كلمات الله"(١).
…وقال في استغناء الإنسان عن الدين: "والإنسانية زمن البعثة المحمدية كانت –كما قلنا- في آخر مرحلة من مراحل سيرها نحو النضج العقلي، والكمال الإنساني.. كانت بمثابة طفل درج في مدارج الحياة، حتى بلغ مبلغ الرجال، وكان عليه بعد هذا أن يستوفي حظه من الحياة، وأن يأخذ مكانه فيها غير مستند إلى شيء غير ذاته"(٢).
…فالخطيب جعل الإنسان لا يستند إلى الأديان بل يستند إلى ذاته فحسب، وبهذا يصبح الناس متقاربين.
مناقشة الأقوال السبعة:
من يجل النظر في كتب أصول الفقه –وهي تبحث في تحديد الأدلة الشرعية، وتبين أسس فهم القرآن– لا يجد من يزعم أن العقل من مصادر التشريع. ولا يوجد دليل قطعي ولا ظني يخوّل العقل مشاركة الوحي في التشريع. وقصارى ما أسند إليه الشرع هو: تحديد مناط الحكم، والقياس، والاستدلال بالنصوص. وهو مقيّد بالنص واللغة ولم يجعله مستقلاً. قال الشاطبي: "إن الأدلة الشرعية في أصلها محصورة في الضرب الأول –النقل المحض أي الكتاب والسنة– لأننا لم نثبت الضرب الثاني –الرأي المحض– بالعقل. وإنما أثبتناه بالأول. وفسر ذلك كدلالته على أن الإجماع حجة. وعلى أن القياس حجة. وما كان نحو ذلك"(٣). ومن الدارج المتواتر بين المسلمين القول بالحكم الشرعي والحكم العقلي، والدليل الشرعي والدليل العقلي، مما يدل على مغايرتهما. فالقول بأن العقل من مصادر التشريع يعد من الشوائب. فضلاً عن أنَّ إعطاء العقل دور القوامة على الشرع يعارض أصول العقيدة وأصول الفقه في الإسلام.
(٢) المصدر السابق نفسه، م١١، ٢٢/٨٢٧-٨٢٨.
(٣) الشاطبي، الموافقات في أصول الأحكام، ١/٢٥.