من يقبل العقل دليلاً لإثبات أحكام الشرع فإنه يجوّز إبطال الشريعة بالعقل. وهذا محال باطل كما قال الشاطبي(١). وأصل المسألة إذا تعارض النص مع الواقع المحسوس. ومنه قوله تعالى: ﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾ (٢). فيقتضي فهم النص على أنه من باب الأمر بلفظ الخبر –وهو أسلوب جرى على معهود العرب- ولأن المخبر مقطوع بصدقه فيصبح المعنى: يحرم على المؤمنين أن يجعلوا للكافرين عليهم سبيلاً. وقد بحث الأصوليون مسألة تعارض الأدلة وقالوا لا يقع تعارض بين قطعيين من النصوص الشرعية. وكذلك لا تعارض بين ظنيين إلا في حالة النسخ. والمسألة مبسوطة في كتبهم، لكننا لم نجد منهم من يقول بتعارض العقل والتشريع من نصوص الوحي. وقصارى ما يقوله علماء المسلمين إن الأدلة الشرعية لا تتنافى مع قضايا العقول. وهذا لا يعني أن تكون العقول بها القوامة على الأدلة الشرعية. وقد وضّح الشاطبي معنى هذه المقولة: "إنها –الأدلة الشرعية- تصدقها العقول الراحجة، وتنقاد لها طائعة أو كارهة لا أن العقول حاكمة عليها ولا محسنة فيها ولا مقيّمة"(٣).
…وقال في المقدمة العاشرة: "إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعاً، ويتأخر العقل فيكون تابعاً. فلا يسرح العقل في محل النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل"(٤). وبذلك تكون مقولة تعارض العقل والنقل شائبة وصبغة للدخيل لا صلة للإسلام بها.
تهميش دور السنة النبوية في التشريع وإعلاء دور العقل عليها من الأمور المخالفة للقطعي ثبوتاً ودلالة. وللمعلوم من الدين بالضرورة. فهي شائبة محضة.
(٢) سورة النساء، من الآية ١٤١.
(٣) الشاطبي، الموافقات في أصول الأحكام، ٣/١٦.
(٤) المصدر السابق، ١/٤٩.