…وقد حاول العظمة أن يثبت الإيمان بالجن عن طريق تحضير الأرواح وضرب المندل فقال: "إن وجود الجن حقيقة، وإن الحوادث الكثيرة التي تروى عنهم فيها الوهم لبعض العوارض والوساوس، ومنها الثابت بالمعاينة تكراراً واختباراً، وقد يستحضر الجن بطريقة "المندل" أو غيره. ويكون المستحضر الصادق وطريقته الواضحة بعيدين عن الإغراء الذي يسلب الوسيط إرادته، أو الرائي الواعي تدبره وامتحانه"(١).
…وقال: "وسبب إنكار المنكرين للجن، ظنهم بأنه ليس في الطبيعة قوة عاقلة مجردة عن المادة، وهذا خطأ يثبته العلماء الروحيون الصادقون في العصر الحديث نفسه، ولعلم استحضار الأرواح تجارب صادقة لا يكاد ينتهي العجب بها، وليس مكانها هنا"(٢). وقال: "ومن الأساطين القائلين بهذا الرأي هلمهولتر (ت١٨٩٤م)، وماك (ت١٩١٦م)، وبيرسون (ت١٩٣٦م)، وبراتراندرسل"(٣).
…فالعظمة يحاول أن يقيم دليلاً محسوساً على إثبات الجن، وهم مخلوق غيبي ليس له إلا طريق الغيب القطعي، وليس المندل، ولا من ذكرهم أساطين العلماء الروحانيين، ونقول له: أي روح تحضر؟ فإذا كانت روح ميّت فبأي سلطان أحضرتها؟ وإذا كانت روح حي، فما حال الجسد بعد الروح التي فصلتها عنه واستحضرتها؟!
…مما سبق ندرك آثار شائبة التفسير بالنظريات العلمية ونجملها في الآتي:
التقليل من شأن المعجزات التي تخرق سنن الكون، والإيحاء بأن العلم جاء بشبيه لها مما كان مجهولاً للإنسان، وترتّب على هذا تهوين أمر الأنبياء وعدّهم عباقرة، أو أناساً ممتازين أتوا بما أتوا به من عند أنفسهم. بل جاءوا بأسوأ من هذا كله حيث عدّوا الفلاسفة والحكماء أرقى وأشرف من الأنبياء وهذا بهتان عظيم.

(١) المصدر السابق، ص ٤٦.
(٢) المصدر السابق، ص ٤٦.
(٣) المصدر السابق، ص ٤٦.


الصفحة التالية
Icon