…لقد حشيت كتب التفسير القديمة والمعاصرة بالإسرائيليات حتى عدّها بعضهم مصدراً من مصادر التفسير. وقليل من المفسرين القدامى من أضاف نصوص التوراة والإنجيل إلى تفسيره ومنهم ابن عربي في كتابه الرد الجميل فقد أطلق الرب، والابن، وظاهرة الاتحاد. وقد نقل عن إنجيل يوحنا ومرقص ولوقا(١). ومنهم الرازي حيث استشهد بما جاء في الفصل الحادي عشر من السفر الخامس "إذ الرب إلهكم يقيم لكم نبياً من بينكم ومن إخوتكم"، وفي هذا الفصل أن الرب قال لموسى: "وأي رجل لم يسمع كلامي الذي بودئه أنا أنتقم منه"(٢).
…ومن يتصفح كتب التفسير في القرن العشرين يجد كثيراً ما يستشهد المفسر بنصوص التوراة والإنجيل. والسؤال الذي نطرحه: هل يجوز إدخال أقوال أهل الكتاب في تفسير القرآن الكريم، وأعني بها نصوص التوراة والإنجيل ؟؟ الجواب يتوقف على معرفة الأدلة الشرعية، حيث لا مجال للأدلة العقلية في هذا الموضوع الشرعي الخطير.
أولاً: قال تعالى: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ (٣).
…هذه الآية الكريمة تدل على أن القرآن ناسخ للكتب السماوية السابقة، أي مبطل للتوراة والإنجيل. ولا يجوز أن يفسر المنسوخ ناسخه. قال الزركشي: "إن القرآن ناسخ مهيمن على كل الكتب وليس بعده ناسخ له"(٤). ويرجع إلى القرآن في فهم التوراة والإنجيل ولا يرجع إليهما في فهمه.

(١) البقاعي، أبو الحسن، ابراهيم بن عمر بن حسن الرباطي، الأقوال القويمة في حكم النقل من الكتب القديمة، مخطوط، بالهيئة المصرية العامة للكتاب، رقم ٢٩، تفسير ميكروفيلم، ٢٢٣٠٣، ورقة ٢٩ من المخطوط.
(٢) ورقة ٢٦ من المخطوط للبقاعي، المصدر السابق، عند تفسير سورة البقرة، آية ٣٩ ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.
(٣) سورة المائدة، من الآية ٤٨.
(٤) ٢/٣٤، البرهان للزركشي.


الصفحة التالية
Icon