﴿ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ (١) ما يفهمنا أن هناك كل من بعض فالأديان في مجموعها هي الكل وأجزاؤها الموسوية، والعيسوية، والإسلام، فما كان من هذه الأديان كلها على الحق فهو الذي يتم له الظهور والغلبة. لأن الظهور الموعود به الدين إنما هو دين الحق –كما قلنا- وليس دين اليهود، ولا النصارى، ولا الإسلام، إذا بقوا أسماء مجردة ولكن من عمل من هؤلاء بالحق فهناك الدين الخالص"(٢).
مناقشة أقوال جمال الدين الأفغاني:
إن الاتفاق في المبدأ والغاية لا يشكل سبباً شرعياً للاتحاد لأن الأديان الثلاثة من عند خالق البشر، ولم يوحدها، ولم يدع لاتحادها. وهو وحده له الحق في الإدماج والفصل. ولا يحق لمخلوق أن يخوض في شأن نزّله الخالق للبشر. ألم تر أن في الإسلام أنظمة متكاملة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والعقوبات ما لا يوجد فيمن سبقه من الأديان؟ ثم قد توجد مصلحة مشتركة بين المسلمين ويهود للوقوف في وجه الدول الكبرى – وعقائدها سماوية – فهل يجوز الاتحاد بينهما مع احتلال اليهود لأرض المسلمين؟
قوله إن الأديان تكمل نقص بعضها بعضاً يوحي أن الإسلام فيه نقص وهذا يخالف القطعي ثبوتاً ودلالة ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ (٣).
الإسلام ناسخ لما قبله واليهود والنصارى مطالبون بترك عقائدهم واعتناق عقيدة الإسلام أصولها وفروعها. ومن لم ينصع للأمر الإلهي يعرض نفسه لعذاب الله في الآخرة. كما وردت بذلك آيات كثيرة منها: ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ (٤).

(١) سورة التوبة، من الآية ٣٣.
(٢) ص ٢١٨-٢١٩ ص ٢١٧، خاطرات جمال الدين الأفغاني.
(٣) سورة المائدة، من الآية ٣.
(٤) سورة آل عمران، الآية ٨٥.


الصفحة التالية
Icon