…هذه الأصول الستة لا محيص عنها من تولدها كثمرة طبيعية للثقافة العصرية. وقد تولدت فعلاً وصارت جزءاً من الدستور العلمي لدى ألوف من المشتغلين بجميع الفروع العلمية، وليس بينها وبين أن تصبح عنصراً رئيسياً من عناصر العقلية الأوروبية إلا أن تنتشر فيها المبادئ الفلسفية، وهي لا تزال بعيدة عن الدهماء لأسباب اقتصادية ولكن لا بدّ من بلوغها هذه المنزلة بعد قرنين أو أكثر. فإذا بلغ العالم هذه المرتبة من التعقل، والخلاص من آثار الوراثة، ثم لاح له أن ينظر في الأديان التي يعتبرها إذ ذاك بقايا أثرية للعقلية البشرية، تبين له أنه في صميم الإسلام. وأنه في جهاده العلمي الطويل كان يعمل لإقامة دولته، وإعلاء كلمته، وهو يتوهم أنه يهدمه فيما يهدم من العقائد الباطلة والوساوس المعطلة"(١).
…ثم قال: "أليست الأصول الستة التي أثبتناها هنا، وهي أخص أصول الدستور العلمي، هي نفسها أخص أصول الإسلام، بل هي معناه وروحه، والموجب لجعله ديناً للعالمين كافة في كل زمان ومكان؟"(٢). وقال: "ويجد أن كل ما تستدعيه تلك العاطفة الدينية من معتقدات وعبادات ومعاملات مشروط فيه الرجوع به إلى حكم العقل والعلم لا إلى تحكم الهوى والجهل"(٣).
…ثم قال: "هذا هو الدين الذي جاء به محمد بن عبد الله - ﷺ - ديناً عاماً للبشر كافة فهل تجد محيصاً للبشر عنه؟"(٤).
…ثم خلص إلى أن كل خطوة يخطوها البشر في سبيل الرقي هي تقرب إلى ديننا الفطري حيث ينتهي الأمر إلى الإقرار الجماعي بأنه الدين الحق(٥).
…وهذا قدر كاف في محو جميع الأديان عند الرجل ليبقى العقل والعلم والفلسفة وإليك مناقشة آرائه السابقة الذكر.

(١) ص١٠٩، المصدر السابق نفسه.
(٢) ص١١٠، المصدر نفسه.
(٣) ص١١٧، المصدر السابق.
(٤) ص١١٧، المصدر السابق.
(٥) ص١١٩، المصدر السابق.


الصفحة التالية
Icon