…جعل الأحاديث الواردة في تحريم النساء المستثناة من قوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ ﴾ (١) أنها من باب القياس، فقال: "وسواء علينا أقلنا أن النبي - ﷺ - قال بالقياس أو بالوحي إلا أنه جار في أفهامنا مجرى المقيس، والأصل الكتاب شامل له وله أمثلة"(٢).
…ثم قال: "فجاء نهيه عليه السلام عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها من باب القياس لأن المعنى الذي لأجله ذم الجمع بين أولئك موجود هنا"(٣).
…ولا يخفى خطورة هذا القول فإن القياس يحتمل الصواب والخطأ، وأما الوحي فلا يرد فيه الخطأ. وبقيله هذا يلتقي مع أصحاب المنار بأن من الأحاديث ما هو اجتهاد من النبي - ﷺ -. وهذا يناقض القطعي ثبوتاً ودلالة ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ (٤).
…مما سبق نرى أن المدرسة العقلية الحديثة حملت لنا شوائب جمة في الحديث ومصطلحه تعصف بالسنة النبوية كلها وأهم هذه الشوائب عدم العمل بخبر الآحاد في الأحكام، وأن الصحابة ليسوا كلهم عدولاً، ورد الحديث لتفرد البخاري أو تفرد مسلم به، وتطبيق قواعد النقد الأدبي في رد الحديث، وفرية التفريق بين السنة العملية والسنة القولية، والأخذ بالأولى وترك الثانية. وأن من السنة ما هو اجتهاد من الرسول وهو دون الوحي، وأن ألفاظ الحديث موكولة إلى أفهام المخاطبين وليس للرسول - ﷺ -. والزعم باحتمال رواية عائشة وعبد الله بن مسعود بالرأي المحض وليس عن رسول الله - ﷺ -. أو الزعم بتعصب عبد الله بن الزبير لخالته عائشة في رواية الحديث إلى غير ذلك من الاتهامات الخطيرة لمن نقلوا إلينا التشريع بأمانة وقد رضي الله عنهم بنص القرآن الكريم.

(١) سورة النساء، من الآية ٢٤.
(٢) ١/٢٠٢، محاسن التأويل، جمال الدين القاسمي.
(٣) ١/٢٠٣، محاسن التأويل، جمال الدين القاسمي.
(٤) سورة النجم، الآيات ٣-٤.


الصفحة التالية
Icon