…يقع هذا التفسير في خمسة عشر مجلداً تحوي أحد عشر ألف ومائة وثمانين صفحة. أنشأه في نحو أربعين عاماً، وقيل في خمسين عاماً. وكان ينشر في بداية الأمر في المجلة الزيتونية بتونس. وأما استطراده فهو يختلف عما أسلفنا. فقد توسع في علوم اللغة، وكأنه يريد اللحاق بأبي حيان في بحره المحيط، فتوسع في علوم اللغة ومسائلها المختلفة ومنها الاشتقاق، ووجوه الإعراب، ومعاني المفردات معتمداً على الشواهد الشعرية والأمثال، وقد اتخذ الزمخشري إماماً له في هذا الفن. واهتم بالنحو اهتماماً بالغاً ومنه إنّ وأنّ مثقلة ومخففة(١). وحتى الابتدائية والجارّة(٢). وأين وهل وويكأن. وتناول تناوب حروف الجر في القرآن، وتوسع في ذكر الكلمات المعربة في القرآن. ولم ينس نصيبه من البلاغة فبحث في قضايا علم المعاني والبيان والبديع، وحروف المعاني وبيان استعمالاتها، حتى أننا نستطيع القول إن المميز له عن باقي التفاسير في القرن العشرين هو الصنعة اللغوية، وضخامة التفسير كانت بسبب استطراده في حرفة اللغة. كما أكثر من النقل عن أهل الكتاب على سنة المدرسة العقلية للتقريب بينهم وبين المسلمين.
…ومن أمثلة استطراده أنه كتب صفحة عن كلمة شهر، وفصول السنة، والأشهر عند العرب، والسنة الكبيسة، وقال إنه المعبّر عنه بالنسيء، والكبس عندهم زيادة شهر في السنة بعد ثلاث سنين وهو الفرق بين الأشهر القمرية والشمسية، وتحدث عن أسماء الشهور من حيث العَلَمِيَّة (٣).
(٢) انظر تفسير التحرير والتنوير، ١٧/١٥٠-١٥١.
(٣) التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، ٢/١٦٩-١٧١.