قال الشيخ رشيد عند تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ (١): "حتى إن من الإباحيين والإباحيات من أهل الحرية الطبيعية من يملك في مثل تلك الخلوة منع نفسه أن يبيحها لمن يراوده عنها، لا خوفاً من الله ولا حياء منه لأنه غير مؤمن به أو بعقابه بل وفاء لزوج أو عشيق عاهده على الاختصاص به فصدقه.
حدثنا مصور سوري كان زير نساء فاسقاً أنه كان في بعض الولايات المتحدة الأمريكانية فأعلن في بعض الجرائد أنه يطلب امرأة جميلة لأجل أن يصورها كما يشاء بجُعْلٍ معين من المال، وهذا معهود عند الإفرنج. فجاءه عدة من الحسان اختار إحداهن وخلا بها في حجرته الخاصة وأوصد بابها، وأمرها بالتجرد من جميع ثيابها فتجردت فطفق يصورها على أوضاع مختلفة من انتصاب وانحناء، وميل والتواء، وإقبال وإدبار وهو لا يفكر في غير إتقان صناعته، فعرض لها دوار في رأسها، فجلست على أريكة للاستراحة فجلس بجانبها وأنشأ يلاعبها ويداعبها وهي ساكنة ساكتة، فتنبه في نفسه من الشعور ما كان غافلاً أو نائماً، فرادوها عن نفسها فتمنعت بل امتنعت، فعرض عليها المال فأعرضت، فقال لها أنت حرة في نفسك، ولكني أرجو منك أن تجيبني عن سؤال علمي هو ما بيان سبب هذا الامتناع؟ قالت: سببه أنني عاهدت رجلاً يحبني وأحبه على أن يكون كل منا للآخر لا يشرك في الاستمتاع به أحداً، ولا يبتغي به بدلاً. فقال لها: إني أهنئك وأحترم وفاءك هذا. ثم أتم صناعته، ونقدها الجعل المعين فأخذته وانصرفت. والراجح عندي أن هذه المرأة لم تشته مواتاة هذا الرجل فتجاهد نفسها عن الامتناع، وأن المانع من اشتهائه توطين نفسها على الوفاء لعشيقها الأول حتى لم تعد تتوجه إلى الاستمتاع بغيره، وتوجيه النفس إلى الشيء، أو عنه هو صاحب السلطان الأعلى على الإرادة، وتربية الإرادة هي أصل التخلق بالفضائل والتخلي عن الرذائل باتفاق

(١) سورة يوسف، آية ٢٤.


الصفحة التالية
Icon