قال طنطاوي جوهري في تفسير قوله تعالى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ (١): "جوهرة في قوله تعالى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ ﴾ يسبح المسلم ويحمد ليس الحمد وليس التسبيح قاصراً على ما تصنعون: إن هذا الدين نزل لرقيكم ولم ينزل لمجرد كلمات تقال، ولا آيات تحفظ، ولا صلوات تقام بلا عقل ولا تفكير، كثر في الصلاة التسبيح والتحميد وكثر في القرآن ذانك الأمران ألا إنما مثل الديانات في الأرض كمثل (كليلة ودمنة) الذي ألفه (بيدبا الفيلسوف) لملك الهند في زمانه قبل الميلاد بنحو ثلاثمائة سنة وجعله على ألسنة الأسد والثعلب والحمام والغراب والسلحفاة والغزالة والقرد والفيلة وما أشبه ذلك، فهذا الكتاب ظاهره ينتفع به الجهال يتسلون بالصور التي فيه ويفرحون بأسد يتكلم، وثعلب ينم عن الثور، وثور يسمع النميمة، فيظن السوء بالأسد، وهكذا الأسد يسمع ذلك فيفتك بالثور، ثم تدور الدائرة على النمام وهو (دمنة) فيحكم عليه بالقتل فيقتل. هذه حكايات يفرح بها الجهال. ولكن الحكماء لا يقفون عند الظواهر بل يدخلون في علوم السياسة ونظام الأمم والعمران. هذا كتاب (كليلة ودمنة). وهذا قصده، ولكن إياك أن تقول إن الديانات على هذا النمط كلا. وإنما أقول لك إن المقصد من هذا التشبيه أن كلام بعض مخلوقات الله في الأرض إذا كان له ظواهر يكتفي بها العامة وبواطن يفقهها الخاصة"(٢).
(٢) الجواهر في تفسير القرآن، طنطاوي جوهري، م٥، ٩/٦١. وانظر م٨، ١٥/١٣٤.