…قال في تفسير أوائل سورة البقرة تحت عنوان: "تفصيل الكلام على الأنداد وعبادة الأصنام": اعلم أن عبادة الأوثان قديمة العهد، بعيدة المدى، درجت عليها الأمم البائدة واتبعتها الحاضرة، وأنت لو سرت في بلاد الصين واليابان والهند لرأيت الأوثان ماثلة أمامك معبودة، والناس حولها ملتفون عابدون خاشعون حامدون راكعون ساجدون" وأنت ترى أن أهل الصين قوم فيهم العلماء والحكماء قديماً وحديثاً وهكذا الهند، وإذا أبيت إلا المدنية الحديثة والنبوغ في فنون القتال والحرب وجندلة الأبطال وغلبة الأمم والتفوق في الحرب، فهاك أمة اليابان عابدة الأصنام، كثيرة التماثيل، تلك الأمة التي تعبد إلهاً له جوادان عليهما يركب ذلك الإله جاثمان دائماً بإدارة المعبد بجوار تمثاله، وهذان الجوادان من أسعده الحظ وقدم إليهما قبضة من شعير يوم خروجهما في الأوقات المعلومة، فقد نال حظاً عظيماً لأنه قبلت هديته لجواد الإله. هذا مثل من أمثال عبادة الأوثان ببلاد اليابان اليوم. وهنا يقال: هل يعقل أن أمرأ تأباه الفطرة وينقضه العقل، وهو بدهي البطلان يبقى مع طول الزمان وفناء الأجيال ويعمر في الأرض ويبقى هكذا إلى يوم العرض؟ هل يعقل أن يكون هذا الإنسان قد بلغ من البلاهة حداً، بحيث لا يعرف أن هذا الحجر الذي تحت أقدامي من الجبل لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما ولم يخلق أنفسنا ونحن الذين أوجدناه وهندسناه وأبرزناه؟
…إن العقل يأبى أن يصدق أن هذه الأمم العظيمة الكبيرة الحكيم علماؤها تبقى مخدوعة هكذا آلافاً وآلافاً من السنين، إذن لا بدّ أن يكون هناك أصول رجعت إليها، وعوامل عولت عليها وأحوال فقهتها حتى بقيت تلك الديانات فيها، وهل يدوم ما لا أصل له؟ وهل الخداع له ثبات؟


الصفحة التالية
Icon