…ومما استشكلوه أن علة عدم قبول الإيمان بعد طلوع الشمس من مغربها لا تنطبق إلا على من رآها أو رويت له بالتواتر. وقد رُوي أن الشمس والقمر يكسيان النور بعد كسوف وظلمة، ويعودان إلى الطلوع من المشرق. وقد روى عبد بن حميد عن ابن عمر مرفوعاً وموقوفاً: (يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة). ولكن رفعه لا يصح. ويعارضه من حديثه ما رواه مرفوعاً: (الآيات خرزات منظومات في سلك إذا انقطع السلك تبع بعضها بعضاً). قاله الحافظ ابن حجر وهو المعتمد. وروى الطبراني والحاكم عن عبد الله بن عمر حديثاً ذكر فيه طلوع الشمس من مغربها. وقال (فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل هذه الآية).
…ثم عقب الشيخ رشيد على ذلك فقال: "هذا وإن أبا هريرة - رضي الله عنه - لم يصرح في هذه الأحاديث بالسماع من النبي - ﷺ - فيخشى أن يكون قد روى بعضها عن كعب الأحبار وأمثاله فتكون مرسلة. ولكن مجموع الرويات عنه وعن غيره تثبت هذه الآية بالجملة فننظمها في سلك المتشابهات. ونحمل التعارض بين الروايات وما في بعضها من مخالفة الأدلة القطعية على ما أشرنا إليه من الأسباب كالرواية عن مثل كعب الأحبار من رواة الإسرائيليات"(١).
…تفنيد أقوال الشيخ رشيد:
لقد اعترف الشيخ رشيد أن حديث طلوع الشمس من المغرب رواه الشيخان، وأصحاب السنن وأحمد وغيرهم. ومع هذا كله فقد رفع راية محاربة الإسرائيليات وردّ الحديث. وهذا يقودنا لندرك أن دعواه محاربة الإسرائيليات مجرد شعار حيث ترتب عليه رد حديث متفق عليه.
إن خبراء النقد اعتادوا أن يشرعوا في نقد الأضعف وما يمكن النفاذ منه، ولكن الشيخ رشيد سارع إلى نقد أقوى شيء في أحاديث الفتن. وهو الذي رواه الشيخان وأصحاب السنن وأحمد وهذا يدل على المجازفة في النقد لأن نقده لم يقم على أصول ثابتة ومقاييس صحيحة في علم الحديث.