المبحث الثالث : التذرع بالتخييل والتمثيل وبالرمز والإشارة
أ- التخييل والتمثيل:
…لقد دخلت شوائب في التفسير في القرن الرابع عشر الهجري تحت جنح أسلوب القول بالتخييل والتمثيل، سالكين سلك الزمخشري في كشافه، وقد أدى ذلك إلى إنكار أو تحريف معنى المغيبات وإليك نماذج على ذلك:
الكرسي في تفسير المنار:
…قال الشيخ رشيد عند قوله تعالى ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ (١): قال الأستاذ الإمام: "السياق يدل على أن الكرسي هو العلم الإلهي وبذلك قال بعض المفسرين وأهل اللغة. ويقال: كَرِسَ الرجل كفرح، أي كثر علمه وازدحم على قلبه، أي أن علمه تعالى محيط بما يعلمون مما عبر عنه بقوله: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ (٢) وبما لا يعلمون من شؤون سائر الكائنات فبماذا يمكن أن يعلمه الشفعاء. وقيل هو العرش، واختاره مفسرنا (الجلال). وهو إنما يثبت بخبر المعصوم. وقيل إنه تمثيل لملك الله تعالى، واختاره القفال والزمخشري. والآية تدل على أنه شيء يضبط السماوات والأرض، ولا يتوقف التسليم بها على تعيينه. والقول بأنه علم أو مُلك أو جسم كثيف أو لطيف، أي فإن كان هو العلم الإلهي فالأمر ظاهر، وإن كان خلقاً آخر فهو من عالم الغيب نؤمن به ولا نبحث عن حقيقته، ولا نتكلم فيه بالرأي"(٣). والكرسي المضاف إلى الضمير العائد على لفظ الجلالة في الآية نفسها يدل على علم وهو شيء مادي من عالم الغيب لا يثبت إلا بخبر المعصوم، ونؤمن به ولا نبحث عن حقيقته، ولا نتكلم فيه بالرأي. ولكن أصحاب تفسير المنار جعلوه معنوياً منخرطين في سلك الزمخشري صاحب الكشاف(٤). وقالوا بأنه العلم الإلهي. ونقلوا بأنه تمثيل لمُلك الله تعالى حسبما اختاره القفال والزمخشري أي ليس على سبيل الحقيقة. وركز على الأمر المعنوي

(١) سورة البقرة، الآية ٢٥٥.
(٢) الآية السابقة نفسها.
(٣) تفسير المنار، ٣/٣٣.
(٤) انظر تفسير الكشاف، ١/١٥٤، حيث يقول "وما هو إلا تصوير لعظمته وتخييل فقط، ولا كرسي ثمة ولا قعود ولا قاعد".


الصفحة التالية
Icon