بقوله والآية تدل على أنه شيء يضبط السماوات والأرض ولا يتوقف التسليم بها على تعيينه. مع أن المعنى اللغوي الذي أشاروا إليه متعذر، قال الأزهري: "والذي روي عن ابن عباس في الكرسي أنه العلم، فليس مما يثبته أهل المعرفة بالأخبار"(١). وقال محقق تهذيب اللغة(٢) عبارة ج: ومن روى عنه فقد أخطأ وفي لسان العرب فقد أبطل(٣).
…وقد تهوك أصحاب المنار في معنى الكرسي مع أنه في العربية مما نقل إلينا بالتواتر مثل السماء والأرض، والرياح والجبال الخ. ولذلك قال صاحب تهذيب اللغة عن ثعلب: "الكرسي: ما تعرفه العرب من كراسي الملوك"(٤). وقال أبو إسحاق الزجاج: "الذي نعرفه من الكرسي في اللغة: الشيء الذي يُعتمد ويجلس عليه، فهذا يدل على أن الكرسي عظيم دونه السماوات والأرض"(٥). وفي لسان العرب قال: والكرسي: معروف واحد الكراسي(٦).
الكرسي في التفسير الحديث:
…قال محمد عزت دروزة: "ولقد تعددت الأقوال في صدد الكرسي كما هو الأمر في صدد العرش واللوح والقلم ومنها ما جاء فيه أوصاف مادية لا تخلو من غرابة ولا تنسجم مع صفات الله وتنزهه، وليست متصلة بحديث نبوي وثيق السند. وأظهر الأقوال وأكثرها انسجاماً مع صفات الله أن الكلمة مستعملة على سبيل المجاز، وأن المقصود منها بيان عظمة ملك الله وسلطانه والله أعلم"(٧).

(١) الأزهري، أبو منصور، محمد أحمد، تهذيب اللغة، ١٠/٥٤، مادة كرس.
(٢) علي حسن هلالي محقق الجزء العاشر، الدار المصرية للتأليف والترجمة، مراجعة محمد علي النجار.
(٣) تهذيب اللغة، ١٠/٥٤، هامش رقم ٣. وانظر لسان العرب ٦/١٩٤، وحرف ج يرمز إلى نسخة تهذيب اللغة الموجودة في الحجاز قبل التحقيق.
(٤) تهذيب اللغة، ١/٥٣.
(٥) المصدر السابق.
(٦) لسان العرب، لابن منظور، ٦/١٩٤.
(٧) التفسير الحديث، دروزة، محمد عزت، ٧/٣٨٣، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي، القاهرة، ١٣٨٣هـ-١٩٦٣م.


الصفحة التالية
Icon